الظّالمين إلّا برما» (١) ـ لم يستفد من هذا الدّرس الّذي هو أبلغ دروس الحياة ، سوى أبطال الطّفّ الّذين تسابقوا إلى الموت بين يدي الحقّ ، والفضيلة فرحين مستبشرين.
وبين هؤلاء الأبطال شبه كبير من الوجهة النّفسيّة ؛ فدرس بعضهم يوقفنا على حقيقة الباقين لا نستثني منهم سوى رجل واحد ، هو الضّحاك ابن عبد الله المشرقي ، فإنّه لازم الحسين من أوّل يوم حتّى إذا لم يبق مع الإمام إلّا اثنان الضّحاك ثالثهم ، استأذن الحسين فأذن له فركب فرسه ونجا ، حاول الضّحاك أن يلائم بين إرادة الحياة واحترام العقيدة ، وأن تسالم كلّ واحدة جارتها ، ولمّا وقع بينها العداء الصّراع قدّم مصالحه الشّخصيّة على عقيدته (٢) ، على عكس النّتيجة الّتي انتهى إليها الحرّ الرّياحي (٣).
تطوع الحرّ بن يزيد الرّياحي في جيش ابن زياد لحرب الحسين ، ولمّا أيقن أنّ الحسين مقتول لا محالة انسحب من جيش الكوفة وصحب معه ولده الشّاب بكير وانضمّا إلى الإمام وقتلا معا بين يديه ، لقد كان في الحرّ حنكة ومرونة إلى جانب إيمانه القوي ، فحاول أن يؤلّف بين إيمانه وتقلبات البيئة والظّروف ، فقال
__________________
(١) تقدّمت تخريجاته.
(٢) انظر ، تأريخ الطّبري : ٥ / ٤١٨ و ٤٤٥ و ٤٢٢ وفي ٤٣٦ و : ٤ / ٣٢٠ ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ١١٣ ، الإرشاد للشّيخ المفيد : ٢ / ٩٥ ، الأخبار الطّوال : ٢٥٦.
(٣) انظر ، جمهرة أنساب العرب لابن حزم : ٢١٥ ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ٨٢ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ١ / ٢٣٠ ، الكامل في التّأريخ : ٢ / ٥٥١ ، البداية والنّهاية : ٨ / ١٦٨ ، الإمامة والسّياسة : ٢ / ١١ ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٣٠٢ ، الأخبار الطّوال للدّينوري : ٢٤٨ ـ ٢٥٣ ، أنساب الأشراف : ١٦٩ ـ ١٧٦ ، الفتوح لابن أعثم : ٣ / ٨٥.