واستمرارية هذه المعجزة عبر كل زمان ومكان ، وإلا فإن الرسالة ليست شاملة لكل الناس حتى يوم القيامة ، وأن النبوة يجب أن تستمر ما دام هناك أجيال ليس لله عليهم حجة بدون رسول أو نبي ذي معجزة قاهرة لما تعارفوا عليه ، وكانت سلامة منطلقه الفكري أيضا حينما اعتبر التحدّي المعرفي المعاصر الذي أسس الملحدون دعوتهم عليه لصرف النظر عن الإيمان والدين ، يجب أن يجابه بمعجزة تناسب هذا العصر من معرفة وعلوم ومكتشفات ، حيث أن القرآن كتاب هداية وإرشاد ، وليس كتاب علم ، ولكن بإعجازه جاء لكل العلوم والمعارف بنفس لغاتها ومن خلالها ، ليصل إلى الإيمان والدين الحق. وقبل أن يمارس المؤلف تفسيراته العلمية أو ظواهر الإعجاز العلمي القرآني حدّد منهجه الصحيح لذلك العمل فوصفه بأنه منهج (١) «دون غلو تحمل به آيات القرآن ما لا تحمله من المعاني والاحتمالات ، أو تفريط تعرض به عن كثير من الحقائق الكونية والعملية التي لا يجوز الإعراض عنها لجمود التفكير أو قصور في العلم والمعرفة».
إذن ، فالمؤلف بدأ بمقدمة سليمة ، علميا وشرعيا ، واستخدم منهجا لا تفريط فيه ولا إفراط ، لا يخلو من الحماسة للعلوم ولا تقصير عن الحقيقة العلمية أن تلحق بالحقيقة القرآنية ، وكل هذا من شروط وضوابط التفسير العلمي المطلوب. بعد ذلك ينتقل المؤلف للحديث عن الملاءمة والمناسبة بين الإعجاز العلمي وطابع المثقفين ، عربا وأجانب ، المخاطبين بهذا الموضوع (٢) «كما نجد المثقفين أكثر تمايلا وطربا عند ما نعرض عليهم وجها من وجوه الإعجاز العلمي في القرآن الكريم ، لا سيما إذا كان هذا الوجه قطعي الدلالة ، بيّنا ظاهرا لا يحتاج إلى الاستنباط والاستنتاج ، وذلك لأن هذا الوجه ملائم للثقافة التي يحملها أبناء العصر الحاضر ، والتي أصبحت قاسما مشتركا بينهم جميعا ، وإذا كان هذا شأن مجتمعنا العربي ، فمن باب أولى أن يكون هذا شأن غيره من المجتمعات».
بل إن المؤلف يجد أنه لما كان القرآن نفسه يحث الناس على النظر في ملكوت السماوات والأرض ومجال الكون والنفس ، ويضرب للناس الأمثال ليلفت نظرهم إلى عظمة الخالق من خلال عظمة المخلوق ، لذا فإنه يرى واجبا علينا أن نبحث كل علم يكشف عن سر من أسرار القرآن ويثبت إعجازه ، كما أنه يصل إلى التأكيد على اعتقاده بأن (٣) «هذا الوجه من وجوه الإعجاز هو أبلغ هذه الوجوه ، إذ يستطيع
__________________
(١) المعجزة القرآنية ـ د. محمّد حسن هيتو ، ص ١٤٧.
(٢) المصدر السابق ، ص ١٤٨.
(٣) المصدر السابق ، ص ١٤٩.