اللفظ موضوعا
لمعنى بعينه ولكنه غير مراد في الآية ، وإنما المراد معنى آخر غير ما وضع له اللفظ
بقرينة السياق مثلا ، فيخطئ المفسّر في تعيين المراد لأنه اكتفى بظاهر اللغة فيفسر
اللفظ على معناه الوضعي.
إذن ، هذه هي
الاحتمالات والانحرافات التي كشف عنها تاريخ تفسير القرآن في الماضي ، ويمكن من
خلالها معرفة كثير من الأخطاء التي وقع بها المفسرون في السابق لعدم تقيدهم بشروط
التفسير الموضوعة له ، ولأن السبب الأساسي الذي كان يحرّكهم هو البدع الباطلة التي
دعتهم إلى تحريف الكلم عن مواضعه ، وفسروا كلام الله تعالى وسنة رسوله صلىاللهعليهوسلم بغير ما أريد به ، وتأولوه على غير تأويله.
فأصحاب المنهج
الفلسفي الكلامي خاضوا في تفسير الآيات المتشابهات وتأويل الصفات على مقتضى العقل
فقط ، وأرادوا من الآيات أن تكون أدلة شاهدة على أفكارهم ، فأخذوا في تأويلها بشتى
الوجوه حتى يطابقوها على ما يريدون ، وإذا ما وجدوا آيات تقف ضد أفكارهم أخذوا في
تأويلها لتطابق أصولهم. وأما أصحاب المنهج الصوفي فقد استخدموا المنهج الإشاري
الرمزي لآيات القرآن ، لاعتقادهم أن كل آية في القرآن تخفي وراءها معنى باطنا
مقصودا لا يكشفه الله إلا للخاصة منهم ، وأن المعرفة الحقة اليقينية لا تدرك إلا
بالتأويل الباطني العميق والمجاهدة النفسية في حالات الكشف العليا ، وأن الوقوف
على ظواهر النصوص القرآنية حجاب يمنع من الوصول إلى معرفة حقائق الأمور ، وأن علم
الظواهر يدخله الظن والشك ، والكشف الباطن يرفع الظن ويزيل الشك. وأما أصحاب الغلو
والمتعصبين فقد دأبوا على حمل الآيات القرآنية بشكل متكلّف لتأييد آرائهم وتثبيت
أفكارهم ، فالخوارج والجبرية والمعتزلة ... هم أصحاب هذا المنهج ، ومن هنا أيضا
يمكن وصف تدخل السياسة في تفسير القرآن حينما أخذ بعض المفسرين يشير إلى طوائف
الحرورية والخوارج ، بل وحرب علي ومعاوية وغيرها على أن لها إشارات دالة في القرآن
الكريم ، وقد كان للشيعة تفاسير خاصة أيضا في هذا المجال.
وإذا عرفنا أن كل
هذه الانحرافات قد دخلت في التفاسير عبر التاريخ ، رغم ادعاء كل فئة إلى أنها هي
الصواب وغيرها الخطأ ، حتى عادت حركة التفسير من جديد إلى الوراء لتنقية تفاسير
القرآن من الأغاليط ، فاتجه بعض المتأخرين إلى الوقوف عند حدود تفسير الرسول
والصحابة والتابعين له وقوفا حادا ، ومع هذا فقد كان للإسرائيليات نصيب كبير في
بعض هذه التفاسير لم يستطع أن يتخلص منها كليا ..
لقد كانت الصورة
الكئيبة ، التي عاشتها الأمة الإسلامية حتى القرن التاسع عشر ،