تضع أمامها تفسيرات مصطفى محمود المبتسرة والتي لا تصمد كثيرا أمام النقد ، حتى كتب أكثر من واحد كتابا كاملا في الرد عليه ، منهم الدكتور عبد المتعال الجبري في كتاب «شطحات مصطفى محمود في تفسيراته العصرية للقرآن الكريم» ، أما كتاب الدكتورة عائشة «القرآن والتفسير العصري» فهي تؤكد فيه أننا نتورط ، من هذا المنهج في التفسير ، إلى المزلق الخطر يتسلل إلى عقول أبناء هذا الزمان وضمائرهم ، فيرسخ فيها أن القرآن إذا لم يقدم لهم علوم الطب والتشريح والرياضيات والفلك وأسرار البيولوجيا والإلكترون والذرة ليس صالحا لزماننا ، ولا جديرا بأن تسيغه عقليتنا العلمية ويقبله منطقنا العصري. وهكذا تصل إلى القول بأن مثل هؤلاء الذين يلحون على التفسير العصري للقرآن يغرون أبناءنا بأن يرفضوا القرآن كما فهمه الصحابة في عصر البعث ومدرسة النبوة ، ليفهموه في تفسير عصر من بدع هذا الزمان.
أما الدكتور عبد المتعال فإنه يفترض على المفسر ، قبل أن يدخل في مجال التفسير ، ضوابط عدة منها دراسة العلوم الكونية والاجتماعية ، لأنها كما يقول تزيدنا يقينا بنسب القرآن إلى عالم الغيب والشهادة الحكيم العليم ، ويعتقد أن حقائق العلوم المنوعة التي سبق القرآن بتبيانها ولم تكن موجودة عند نزول القرآن ، تزيدنا يقينا بأن القرآن من عند الله ، إذ هي تؤكد لنا علم الله بالغيبيات وهيمنته على المخلوقات (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك / ١٤](إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) [القمر / ٤٩] وهي برأيه ظلال من المعرفة تساعدنا على تصور عظمة الله في كتابه المسطور ، وأنه على النحو الذي تجد عظمته في كتابه المنشور كتاب الوجود ، فنقف أمامه سبحانه خاشعين مسلمين مؤمنين قانتين.
ويستنتج الدكتور من ذلك ضابطا أو شرطا للتعامل معها من خلال قوله (١) «وأبحاثنا العلمية ـ معشر البشر ـ ينعكس عليها قصور مداركنا وقدراتنا ، ومن ثم فهي أقل من أن نفهم في ضوئها كتاب الله ، وإنما الصواب والمنطقي أن نفهمها في ضوء كتاب الله ، فإن الكامل هو الذي يحكم على الناقص» ، إلا أن الكاتب ، ورغم كون كتابه محصورا بشطحات مصطفى محمود في تفسيراته العصرية ، يطرح حكما قاسيا حينما يؤكد على (٢) «إن الإلحاح على صوغ المفاهيم الإسلامية ونصوص الشريعة
__________________
(١) شطحات مصطفى محمود في تفسيراته العصرية للقرآن الكريم ـ د. عبد المتعال الجبري ، ص ٢٣.
(٢) المصدر السابق ، ص ١٢.