وإذا كان للعقل الإنساني أن يفهم بعض مدلولات المعراج فإنه ، بالإضافة إلى اطمئنان نفس محمّد صلىاللهعليهوسلم وأنس قلبه للبرهان على الخروج من نطاق هذا الكوكب الأرضي الذي يسبح في الفضاء ، ليعرف الذين ينكرون البعث بأنهم غير باقين في هذه الأرض بعد انحلال أجسامهم ، وأنّهم لا شك مبعوثون ، جسدا وروحا ونفسا ، في مكان ما من عوالم الله تعالى التي لا يعلمها إلّا هو سبحانه ، ولكي يتفكّروا في خلق السماوات والأرض وما يحيط بهنّ. فهذه الدلالات تعبّر عن الإسراء ، أي الانتقال من مكان إلى مكان ، بواسطة لا يعرفها البشر ، وعن المعراج بنفس الواسطة التي تتحلّل من قوانين الجاذبية والأبعاد والأعماق والمسافات ، وما إليها من القوانين التي تحكم تصرفات بني البشر ، والتي لا شأن لها عند إرادة الله السنية التي تقول للشيء كن فيكون.
وإذا كانت الإرادة الإلهية قد تجلّت وجعلت من الإسراء والمعراج وسيلة كشف لإحدى وسائل المواصلات التي تفرض على الإنسان الإذعان لها والرضوخ لحكمها فإنها ، وهي إرادة الله ، قد جعلتها فتنة للناس لتثبت في الروع أن الإنسان ، مهما بلغ من العلم والمعرفة ، عاجز عن الوصول إلى علم الله ، ولكنه مدعو في كل وقت للتوجّه نحو هذا العلم ، وإلّا فقد ميزته التي خصّه الله تعالى بها عن سائر المخلوقات قليلا ـ عاجلا أو آجلا ـ ، للبحث عن الوصول لبعض تلك العوالم ليصل إلى معرفة عظيم صنع الله وقدرته ، على أنه وإن قدّر للإنسان أن يفقه سرّ معجزة الإسراء والمعراج أو لم يقدر ، وغالب الظن أن هذا السّر ما زال في جوانب كثيرة منه مغلقا على بني البشر ، فإنّها تظلّ الحدث العظيم الذي لا يمكن إنكاره ولا التنكّر له ما دام القرآن الكريم قد أثبته وأكّده بقوله تعالى (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (١) ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى) (٢) ... [النجم / ١ ، ٢] ، ومن هنا لم تكن حادثة الإسراء والمعراج المعجزة التي أريد منها قهر الناس على الاعتقاد بصدق نبوة محمّد صلىاللهعليهوسلم كما كان يحدث للأنبياء السابقين ، وإلّا لكانت تلك الحادثة قد حصلت في الظروف الحالكة الصعبة التي كان يعيشها النبيّ والمسلمون معه ، ولا سيما المستضعفون منهم ، بل كانت من أجل التكريم لشخص النّبيّ صلىاللهعليهوسلم والإيناس له ، ومن غير أن تعطّل المنهج العقلي الذي اشترعه القرآن».
هكذا فهم السيد سميح عاطف الزين واقعة ومعجزة الإسراء والمعراج ، وهو يضعنا على أبواب التعامل مع مفردات ومكتشفات العلوم ولكن من بعيد ، ولا يدخل إلى التفاصيل الدقيقة للقضايا العلمية.