رسولنا ، وضمير (فِيهِ) للفرج ، واشتهر أن جبريل عليهالسلام نفخ في جيبها فوصل أثر ذلك إلى الفرج.
وروي ذلك عن قتادة ، وقال الفراء : ذكر المفسرون أن الفرج جيب درعها وهو محتمل لأن الفرج معناه في اللغة كل فرجة بين الشيئين ، وموضع جيب درع المرأة مشقوق فهو فرج ، وهذا أبلغ في الثناء عليها لأنها إذا منعت جيب درعها فهي للنفس أمنع ، وفي مجمع البيان عن الفراء أن المراد منعت جيب درعها عن جبريل عليهالسلام ، وكان ذلك على ما قيل : قولها (إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) [مريم : ١٨] وأفاد كلام البعض أن أحصنت فرجها على ما نقل أولا عن الفراء كناية عن العفة نحو قولهم : هو نقي الجيب طاهر الذيل.
وجوز في ضمير (فِيهِ) رجوعه إلى الحمل ، وهو عيسى عليهالسلام المشعر به الكلام ، وقرأ عبد الله ـ فيها ـ كما في الأنبياء ، فالضمير لمريم ، والإضافة في قولها تعالى : (مِنْ رُوحِنا) للتشريف ، والمراد من روح خلقناه بلا توسط أصل ، وقيل : لأدنى ملابسة وليس بذاك (وَصَدَّقَتْ) آمنت (بِكَلِماتِ رَبِّها) بصحفه عزوجل المنزلة على إدريس عليهالسلام وغيره ، وسماها سبحانه كلمات لقصرها (وَكُتُبِهِ) بجميع كتبه والمراد به ما عدا الصحف مما في طول ، أو التوراة والإنجيل والزبور ، وعد المصحف من ذلك وإيمانها به ولم يكن منزلا بعد كالإيمان بالنبي الموعود عليه الصلاة والسلام فقد كان صلّى الله تعالى عليه وسلم مذكورا بكتابه في الكتب الثلاث ، وتفسير الكلمات والكتب بذلك هو ما اختاره جمع ، وجوز غير واحد أن يراد بالكلمات ما أوحاه الله تعالى إلى أنبيائه عليهمالسلام ، وبالكتب ما عرف فيها مما يشمل الصحف وغيرها ، وقيل : جميع ما كتب مما يشمل اللوح وغيره ، وأن يراد بالكلمات وعده تعالى ووعيده أو ذلك وأمره عزوجل ونهيه سبحانه ، وبالكتب أحد الأوجه السابقة ، وإرادة كلامه تعالى القديم القائم بذاته سبحانه من الكلمات بعيد جدا ، وقرأ يعقوب وأبو مجلز وقتادة عصمة عن عاصم «صدقت» بالتخفيف ، ويرجع إلى معنى المشدد ؛ وفي البحر أي كانت صادقة بما أخبرت به من أمر عيسى وما أظهره الله تعالى لها من الكرامات وفيه قصور لا يخفى.
وقرأ الحسن ومجاهد والجحدري ـ بكلمة ـ على التوحيد فاحتمل أن يكون اسم جنس ، وأن يكون عبارة عن كلمة التوحيد ، وأن يكون عبارة عن عيسى عليهالسلام فقد أطلق عليهالسلام أنه كلمة الله ألقاها إلى مريم ، وقد مر شرح ذلك ، وقرأ غير واحد من السبعة ـ وكتابه ـ على الإفراد فاحتمل أن يراد به الجنس وأن يراد به الإنجيل لا سيما إن فسرت الكلمة بعيسى عليهالسلام ، وقرأ أبو رجاء «وكتبه» بسكون التاء على ما قال ابن عطية ، وبه وبفتح الكاف على أنه مصدر أقيم الاسم على ما قال صاحب اللوامح.
(وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) أي من عداد المواظبين على الطاعة ـ فمن ـ للتبعيض ، والتذكير للتغليب ، والإشعار بأن طاعتها لم تقصر عن طاعة الرجال حتى عدت من جملتهم فهو أبلغ من قولنا : وكانت من القانتات ، أو قانتة ، وقيل : (مِنْ) لابتداء الغاية ، والمراد كانت من نسل القانتين لأنها من أعقاب هارون أخي موسىعليهماالسلام ، ومدحها بذلك لما أن الغالب أن الفرع تابع لأصله (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً) [الأعراف : ٥٨] وهي على ما في بعض الأخبار سيدة النساء ومن أكملهن ، روى أحمد في مسنده : سيدة نساء أهل الجنة مريم ثم فاطمة ثم خديجة ثم آسية ثم عائشة ، وفي الصحيح كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع : آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ومريم ابنة عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد صلّى الله تعالى عليه وسلم وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام وخص الثريد ـ وهو خبز يجعل في مرق وعليه لحم ـ