(أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (٨١) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (٨٢) فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (٨٤) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ (٨٥) فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦) تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٨٧) فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٨٨) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (٨٩) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩٠) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩١) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (٩٢) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (٩٣) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (٩٤) إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (٩٥) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (٩٦)
(أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ) أي أتعرضون فبهذا الحديث الذي ذكرت نعوته الجليلة الموجبة لإعظامه وإجلاله والإيمان بما تضمنه وأرشد إليه وهو القرآن الكريم (أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ) متهاونون به كمن يدهن في الأمر أي يلين جانبه ولا يتصلب فيه تهاونا به ، وأصل الادهان كما قيل : جعل الأديم ونحوه مدهونا بشيء من الدهن ولما كان ذلك ملينا لينا محسوسا يراد به اللين المعنوي على أنه تجوز به عن مطلق اللين أو استعير له ، ولذا سميت المداراة مداهنة وهذا مجاز معروف ولشهرته صار حقيقة عرفية ، ولذا تجوز به هنا عن التهاون أيضا لأن المتهاون بالأمر لا يتصلب فيه وعن ابن عباس والزجاج (مُدْهِنُونَ) أي مكذبون وتفسيره بذلك لأن التكذيب من فروع التهاون.
وعن مجاهد أي منافقون في التصديق به تقولون للمؤمنين آمنا به وإذا خلوتم إلى إخوانكم قلتم : إنا معكم والخطاب عليه للمنافقين وما قدمناه أولى ، والخطاب عليه للكفار كما يقتضيه السياق.
وجوز أن يراد بهذا الحديث ما تحدثوا به من قبل في قوله سبحانه : وكانوا يقولون (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ) [الواقعة : ٤٧ ، ٤٨] فالكلام عود إلى ذلك بعد رده كأنه قيل : أفبهذا الحديث الذي تتحدثون به في إنكار البعث أنتم مدهنون أصحابكم أي تعلمون خلافه وتقولونه مداهنة أم أنتم به جازمون وعلى الإصرار عليه عازمون ، ولا يخفى بعده ، وفيه مخالفة لسبب النزول وستعلمه قريبا إن شاء الله تعالى (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ) شكركم (أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) تقولون مطرنا بنوء كذا وكذا وبنجم كذا وكذا ، أخرج ذلك الإمام أحمد والترمذي وحسنه والضياء في المختارة وجماعة عن علي كرم الله تعالى وجهه عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم هو إما إشارة منه عليه الصلاة والسلام إلى أن في الكلام مضافا مقدرا أي شكر رزقكم أو إشارة إلى أن الرزق مجاز عن لازمه وهو الشكر ، وحكى الهيثم بن عدي أن من لغة ازدشنوءة ما رزق فلان فلانا بمعنى شكره ، ونقل عن الكرماني أنه نقل في شرح البخاري أن الرزق من أسماء الشكر واستبعد ذلك ولعله هو ما حكاه الهيثم ، وفي البحر وغيره أن عليا كرم الله تعالى وجهه وابن عباس قرءا ـ شكركم ـ بدل (رِزْقَكُمْ) وحمله بعض شراح البخاري على التفسير من غير قصد للتلاوة وهو خلاف الظاهر ، وقد أخرج ابن مردويه عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : قرأ علي كرم الله تعالى وجهه «الواقعة» في الفجر فقال : «وتجعلون ـ شكركم ـ أنكم تكذبون» فلما انصرف قال : إني قد عرفت أنه سيقول قائل لم قرأها هكذا إني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقرأ كذلك كانوا إذا أمطروا قالوا : أمطرنا بنوء كذا وكذا فأنزل الله تعالى ـ وتجعلون ـ شكركم أنكم إذا مطرتم تكذبون ـ ومعنى جعل شكرهم التكذيب جعل التكذيب مكان الشكر فكأنه عينه عندهم فهو من باب.
تحية بينهم ضرب وجيع
ومنه قول الراجز :