تُكَذِّبانِ (٤٧) ذَواتا أَفْنانٍ (٤٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٩) فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ (٥٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥١) فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ (٥٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٣) مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ (٥٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٥) فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٥٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٧) كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ) (٥٨)
(يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) قاطبة ما يحتاجون إليه في ذواتهم حدوثا وبقاء وفي سائر أحوالهم سؤالا مستمرا بلسان المقال أو بلسان الحال فإنهم كافة من حيث حقائقهم الممكنة بمعزل من استحقاق الوجود وما يتفرع عليه من الكمالات بالمرة بحيث لو انقطع ما بينهم وبين العناية الإلهية من العلاقة لم يشموا رائحة الوجود أصلا فهم في كل آن سائلون.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن أبي صالح (يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ) الرحمة ، ومن في ـ الأرض ـ المغفرة والرزق ، وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج (يَسْئَلُهُ) الملائكة عليهمالسلام الرزق لأهل الأرض والمغفرة. وأهل الأرض يسألونهما جميعا وما تقدم أولى. ولا دليل على التخصيص.
والظاهر أن الجملة استئناف. وقيل : هي حال من ـ الوجه ـ والعامل فيها (يَبْقى) أي هو سبحانه دائم في هذه الحال ، ولا يخفى حاله على ذي تمييز (كُلَّ يَوْمٍ) كل وقت من الأوقات ولحظة من اللحظات.
(هُوَ فِي شَأْنٍ) من الشئون التي من جملتها إعطاء ما سألوا فإنه تعالى لا يزال ينشئ أشخاصا ، ويفني آخرين ويأتي بأحوال ويذهب بأحوال حسبما تقتضيه مشيئته عزوجل المبنية على الحكم البالغة ، وأخرج البخاري في تاريخه وابن ماجه ابن حيان وجماعة عن أبي الدرداء عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال في هذه الآية : «من شأنه أن يغفر ذنبا ويفرج كربا ويرفع قوما ويضع آخرين» زاد البزار «ويجيب داعيا» ، وقيل : إن لله تعالى في كل يوم ثلاث عساكر : عسكر من الأصلاب إلى الأرحام ، وعسكر من الأرحام إلى الدنيا ، وعسكر من الدنيا إلى القبور. والظاهر أن المراد بيان كثرة شئونه تعالى في الدنيا فكل يوم على معنى كل وقت من أوقات الدنيا.
وقال ابن عيينة : الدهر عند الله تعالى يومان : أحدهما اليوم الذي هو مدة الدنيا فشأنه فيه الأمر والنهي والإماتة والاحياء. وثانيهما اليوم الذي هو يوم القيامة فشأنه سبحانه فيه الجزاء والحساب ، وعن مقاتل إن الآية نزلت في اليهود قالوا : إن الله تعالى لا يقضي يوم السبت شيئا فرد عزوجل عليهم بذلك ، وسأل عبد الله بن طاهر الحسين بن الفضل عن الجمع بين هذه الآية وما صح من أن القلم جف بما هو كائن إلى يوم القيامة فقال : شئون يبديها لا شئون يبتديها ، وانتصب (كُلَّ يَوْمٍ) على الظرف ، والعامل فيه هو العامل في قوله تعالى (فِي شَأْنٍ) ، و (هُوَ) ثابت المحذوف : فكأنه قيل هو ثابت في شأن كل يوم (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) مما يسعف به سؤالكما وما يخرج لكما بيديه من مكمن العدم حينا فحينا (سَنَفْرُغُ لَكُمْ) الفراغ في اللغة يقتضي سابقة شغل.
والفراغ للشيء يقتضي لا حقيقته أيضا ، والله سبحانه لا يشغله شأن عن شأن فجعل انتهاء الشئون المشار إليها بقوله تعالى : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) يوم القيامة إلى واحد هو جزاء المكلفين فراغا لهم على سبيل التمثيل لأن من ترك أشغاله إلى شغل واحد يقال : فرغ له وإليه فشبه حال هؤلاء ـ وأخذه تعالى في جزائهم فحسب ـ بحال من فرغ له ، وجازت الاستعارة التصريحية التبعية في (سَنَفْرُغُ) بأن يكون المراد سنأخذ في جزائكم فقط الاشتراك الأخذ في الجزاء فقط ، والفراغ عن جميع المهام إلى واحد في أن المعنى به ذلك الواحد ، وقيل : المراد التوفر في الانتقام والنكاية ، وذلك أن الفراغ للشيء يستعمل في التهديد كثيرا كأنه فرغ عن كل شيء لأجله فلم يبق له شغل غيره فيدل