مردويه عن ابن عباس أنه لما مات قالت امرأته أو امرأة : هنيئا لك ابن مظعون الجنة فنظر إليها رسول الله صلىاللهعليهوسلم نظر مغضب وقال : وما يدريك؟ والله إني لرسول الله وما أدري ما يفعل الله بي فقالت : يا رسول الله صاحبك وفارسك وأنت أعلم فقال : أرجو له رحمة ربه تعالى وأخاف عليه ذنبه ، لكن في هذه الرواية أن ابن عباس قال : وذلك قبل أن ينزل (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) [الفتح : ٢] وعن الضحاك المراد لا أدري ما أومر به ولا ما تؤمرون به في باب التكاليف والشرائع والجهاد ولا في الابتلاء والامتحان ، والذي أختاره أن المعنى على نفي الدراية من غير جهة الوحي سواء كان الدراية تفصيلية أو إجمالية وسواء كان ذلك في الأمور الدنيوية أو الأخروية وأعتقد أنه صلىاللهعليهوسلم لم ينتقل من الدنيا حتى أوتي من العلم بالله تعالى وصفاته وشئونه والعلم بأشياء يعد العلم بها كمالا ما لم يؤته أحد غيره من العالمين ، ولا أعتقد فوات كمال بعدم العلم بحوادث دنيوية جزئية كعدم العلم بما يصنع زيد مثلا في بيته وما يجري عليه في يومه أو غده ، ولا أرى حسنا قول القائل : إنه عليه الصلاة والسلام يعلم الغيب وأستحسن أن يقال بدله : إنه صلىاللهعليهوسلم أطلعه الله تعالى على الغيب أو علمه سبحانه إياه أو نحو ذلك ، وفي الآية رد على من ينسب لبعض الأولياء علم كل شيء من الكليات والجزئيات ، وقد سمعت خطيبا على منبر المسجد الجامع المنسوب للشيخ عبد القادر الكيلاني قدسسره يوم الجمعة قال بأعلى صوت : يا باز أنت أعلم بي من نفسي ، وقال لي بعض : إني لأعتقد أن الشيخ قدسسره يعلم كل شيء مني حتى منابت شعري ، ومثل ذلك مما لا ينبغي أن ينسب إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فكيف ينسب إلى من سواه؟ فليتق العبد مولاه ، وفيما تقدم من الأخبار في شأن عثمان بن مظعون رد أيضا على من يقول فيمن دونه في الفضل أو من لم يبشره الصادق بالجنة والكرامة نحو ما قيل فيه. نعم ينبغي الظن الحسن في المؤمنين أحياء وأمواتا ورجاء الخير لكل منهم فالله تعالى أرحم الراحمين ، هذا والظاهر أن (ما) استفهامية مرفوعة المحل بالابتداء والجملة بعدها خبر وجملة المبتدأ والخبر معلق عنها الفعل القلبي وهو إما متعد لواحد أو اثنين ، وجوز أن تكون (ما) موصولة في محل نصب على المفعولية لفعل الدراية وهو حينئذ متعد لواحد والجملة بعدها صلة ، وأن تكون حرفا مصدريا فالمصدر مفعول (أَدْرِي) والاستفهامية أقضى لحق مقام التبري عن الدراية ، و (لا) لتذكير النفي المنسحب على (ما يُفْعَلُ) إلخ وتأكيده ، ولو لا اعتبار الانسحاب لكان التركيب ما يفعل بي وبكم دون (لا) لأنه ليس محلا للنفي ولا لزيادة لا ونظير ذلك زيادة (مِنَ) في قوله تعالى : (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ) [البقرة : ١٠٥] لانسحاب النفس فإنه إذا انتفت ودادة التنزيل انتفى التنزيل ، وزيادة الباء في قوله سبحانه : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ) [الأحقاف : ٣٣] لانسحاب النفي ، على أن مع ما في حيزها ولولاه ما زيدت الباء في الخبر ، وقيل : الأصل ولا ما يفعل بكم فاختصر ، وقيل : ولا بكم ، وقرأ زيد بن علي وابن أبي عبلة «يفعل» بالبناء للفاعل وهو ضمير الله عزوجل (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) أي ما أفعل إلا اتباع ما يوحى إلي على معنى قصر أفعاله صلىاللهعليهوسلم على اتباع الوحي ، والمراد بالفعل ما يشمل القول وغيره ، وهذا جواب عن اقتراحهم الإخبار عما لم يوح إليه عليه الصلاة والسلام من الغيوب ، والخطاب السابق للمشركين.
وقيل : عن استعجال المسلمين أن يتخلصوا عن أذية المشركين والخطاب السابق لهم ، والأول أوفق لقوله تعالى : (وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ) أنذركم عقاب الله تعالى حسبما يوحى إليّ (مُبِينٌ) بين الإنذار بالمعجزات الباهرة ، والحصر إضافي. وقرأ ابن عمير «يوحي» على البناء للفاعل (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ) أي ما يوحى إلي من القرآن ، وقيل : الضمير للرسول ، وفيه أن الظاهر لو كان المعنى عليه كنت (مِنْ عِنْدِ اللهِ) لا سحرا ولا مفترى كما تزعمون (وَكَفَرْتُمْ