وأخرج ابن جرير عن الحسن أنه قال في الآية : أما في الآخرة فمعاذ الله تعالى قد علم صلىاللهعليهوسلم أنه في الجنة حين أخذ ميثاقه في الرسل ولكن ما أدري ما يفعل بي في الدنيا أأخرج كما أخرجت الأنبياء عليهمالسلام من قبلي أم أقتل كما قتلت الأنبياء عليهمالسلام من قبلي ولا بكم أأمتي المكذبة أم أمتي المصدقة أم أمتي المرمية بالحجارة من اسماء قذفا أم المخسوف بها خسفا ثم أوحى إليه (وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ) [الإسراء : ٦٠] يقول سبحانه : أحطت لك بالعرب أن لا يقتلوك فعرف عليه الصلاة والسلام أنه لا يقتل ثم أنزل الله تعالى (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) [الفتح : ٢٨] يقول : أشهد لك على نفسه أنه سيظهر دينك على الأديان ثم قال سبحانه له عليه الصلاة والسلام في أمته : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الأنفال : ٣٣] فأخبره الله تعالى بما صنع به وما يصنع بأمته ، وعن الكلبي أنه صلىاللهعليهوسلم قال له أصحابه وقد ضجروا من أذى المشركين : حتى متى نكون على هذا؟ فقال : وما أدري ما يفعل بي. ولا بكم أأترك بمكة أم أؤمر بالخروج إلى أرض قد رفعت لي ورأيتها يعني في منامه ذات نخل وشجر. وحكى في البحر عن مالك بن أنس وقتادة وعكرمة والحسن أيضا. وابن عباس أن المعنى ما يفعل بي ولا بكم في الآخرة ، وأخرج أبو داود في ناسخه من طريق عكرمة عن ابن عباس أنه قال في الآية : نسختها الآية التي في [الفتح : ٢] (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) فخرجصلىاللهعليهوسلم إلى الناس فبشرهم بأنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فقال رجل من المؤمنين : هنيئا لك يا نبي الله قد علمنا الآن ما يفعل بك فما ذا يفعل بنا؟ فأنزل الله تعالى في سورة [الأحزاب : ٤٧] (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً) وقال سبحانه : (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) [الفتح : ٥] فبين الله تعالى ما يفعل به وبهم. واستشكل على تقدير صحته بأن النسخ لا يجري في الخبر فلعل المنسوخ الأمر بقوله تعالى : (قُلْ) إن قلنا : إنه هنا للتكرار أو المراد بالنسخ مطلق التغيير.
وقال أبو حيان : هذا القول ليس بظاهر بل قد أعلم الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام من أول الرسالة بحاله وحال المؤمن وحال الكافر في الآخرة ، وقال الإمام : أكثر المحققين استبعدوا هذا القول واحتجوا بأن النبي لا بد أن يعلم من نفسه كونه نبيا ومتى علم ذلك علم أنه لا يصدر عنه الكبائر وأنه مغفور وإذا كان كذلك امتنع كونه شاكا في أنه هل هو مغفور له أم لا ، وبأنه لا شك أن الأنبياء أرفع حالا من الأولياء ، وقد قال الله تعالى فيهم : (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [يونس : ٦٢] فكيف يعتقد بقاء الرسول وهو رئيس الأنبياء وقدوة الأولياء شاكا في أنه هل هو من المغفورين أم لا ، وقد يقال : المراد أيضا أنه عليه الصلاة والسلام ما يدري ذلك على التفصيل ، وما ذكر لا يتعين فيه حصول العلم التفصيلي لجواز أن يكون عليه الصلاة والسلام قد أعلم بذلك في مبدأ الأمر إجمالا بل في إعلامه صلىاللهعليهوسلم بعد بحال كل شخص شخص على سبيل التفصيل بأن يكون قد أعلم عليه الصلاة والسلام بأحوال زيد مثلا في الآخرة على التفصيل وبأحوال عمرو كذلك وهكذا توقف.
وفي صحيح البخاري وأخرجه الإمام أحمد والنسائي وابن مردويه عن أم العلاء ، وكانت بايعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنها قالت لما مات عثمان بن مظعون : رحمة الله تعالى عليك يا أبا السائب شهادتي عليك لقد أكرمك الله تعالى فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام : «وما يدريك أن الله تعالى أكرمه؟ أما هو فقد جاءه اليقين من ربه وإني لأرجو له الخير والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي ولا بكم ، قالت أم العلاء : فو الله ما أزكي بعده أحدا ، وفي رواية ابن حبان والطبراني عن زيد بن ثابت أنها قالت لما قبض : طب أبا السائب نفسا إنك في الجنة فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : وما يدريك؟ قالت : يا رسول الله عثمان بن مظعون قال : أجل وما رأينا إلا خيرا والله ما أدري ما يصنع بي ، وفي رواية الطبراني. وابن