والسلام ليعلم نفي أبوته صلىاللهعليهوسلم لأحد من رجالهم ، ويؤتي بما بعد على وجه ينتظم مع ما قبل وبحمل الأبوة المنفية على الأبوة الحقيقية الشرعية ينحل إشكال في الآية وهو أن سياقها لنفي أبوته عليه الصلاة والسلام لزيد ليرد به على من يعترض على النبي صلىاللهعليهوسلم بتزوجه مطلقته فإن أريد بالأبوة الأبوة الحقيقية اللغوية وهي ما يكون بالولادة لم تلائم السياق ولم يحصل بها الرد المذكور مع أنه هو المقصود إذ لم يكن أحد يزعم ويتوهم أنه صلىاللهعليهوسلم كان أبا زيد بالولادة ، وأن أريد بها الأبوة المجازية التي تحقق بالتبني ونحوه فنفيها غير صحيح لأنه عليه الصلاة والسلام كان أبا لزيد مجازا لتبنيه إياه ولم يزل زيد يدعى بابن محمد صلىاللهعليهوسلم حتى نزل قوله تعالى : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ) [الأحزاب : ٥] فدعوه حينئذ بابن حارثة ، ووجه انحلاله بما ذكرنا من أن المراد بالأبوة الأبوة الحقيقية الشرعية أن هذه الأبوة تكون بالولادة وبالرضاع وبالتبني بشرطه وهي بأنواعها غير متحققة في زيد ، أما عدم تحققها بالنوعين الأولين فظاهر ، وأما عدم تحققها بالنوع الأخير فلأن التبني وإن وقع إلا أن شرطه الذي به يستتبع الأبوة الحقيقية الشرعية مفقود كما علمت ، وبجعل إضافة الرجال إلى ضمير المخاطبين باعتبار الولادة يندفع استشكال النفي المذكور بأنه عليه الصلاة والسلام قد ولد له عدة ذكور فكيف يصح النفي لأن من ولد له عليه الصلاة والسلام ليس مضافا للمخاطبين باعتبار الولادة بل هو مضاف إليه صلىاللهعليهوسلم باعتباره ، ومن خص الرجال بالبالغين قال : لا ينتقض العموم بذلك لأن جميع من ولد له عليه الصلاة والسلام مات صغيرا ولم يبلغ مبلغ الرجال ، وقيل : لا إشكال في ذلك لأنه عليه الصلاة والسلام لم يكن له ابن يوم نزول الآية لأن السورة مدنية نزلت على ما نقل عن ابن الأثير في تاريخ الكامل السنة الخامسة من الهجرة من الهجرة وفيها تزوج رسول الله صلىاللهعليهوسلم بزينب ، ومن ولد له صلىاللهعليهوسلم من الذكور ممن عدا إبراهيم فإنما ولد بمكة قبل الهجرة وتوفي فيها ، وإبراهيم وإن ولد بالمدينة لكن ولد السنة الثامنة من الهجرة فلم يكن مولودا يوم النزول بل بعده وهو كما ترى ، وكما استشكل النفي بما ذكر استشكل بالحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما فقد كان النبي صلىاللهعليهوسلم أبا لهما حقيقة شرعية ، ولم يرتض بعضهم هنا الجواب بخروجهما بالإضافة لأن لهما نسبة إلى المخاطبين باعتبار الولادة لدخول علي كرّم الله تعالى وجهه فيهم وهما ولداه ، وارتضاه آخر بناء على أن الإضافة للاختصاص باعتبار الولادة ولا اختصاص للحسنين بعلي رضي الله تعالى عنهم باعتبارها لما أنهما ولدا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أيضا لكن بالواسطة فإن قبل هذا فذاك وإلا فالجواب ، أما ما قيل من أن المراد بالرجال البالغون ولم يكونا رضي الله تعالى عنهما يوم النزول كذلك فإن الحسن رضي الله تعالى عنه ولد السنة الثالثة من الهجرة والحسين رضي الله تعالى عنه ولد السنة الرابعة منها لخمس خلون من شعبان وقد علقت به أمه عقب ولادة أخيه بخمسين ليلة أو أقل وكان النزول بعد ولادتهما على ما سمعت آنفا ، وأما ما قيل من أن المراد بالأب في الآية الأب الصلب ومعلوم أنه صلىاللهعليهوسلم لم يكن أباهما كذلك فتدبر ، وقيل : ليس المراد من الآية سوى نفي أبوته صلىاللهعليهوسلم لأحد من الرجال بالتبني لتنتفي أبوته عليه الصلاة والسلام لزيد التي يزعمها المعترض كما يدل عليه سوق الآية الكريمة فكأنه قيل : ما كان محمد أبا أحد من رجالكم كما زعمتم حيث قلتم إنه أبو زيد لتبنيه إياه وهي ساكتة عن نفي أبوته صلىاللهعليهوسلم لأحد بالولادة أو بالرضاع وعن إثباتها فلا سؤال بمن ولد له صلىاللهعليهوسلم من الذكور ولا بالحسنين رضي الله تعالى عنهم ولا جواب.
وإلى اختيار هذا يميل كلام أبي حيان والله تعالى أعلم. واستدل بعض الشافعية بهذه الآية على أنه لا يجوز أن يقال للنبي عليه الصلاة والسلام أبو المؤمنين حكاه صاحب الروضة ثم قال : ونص الشافعي عليه الرحمة على أنه يجوز أن يقال له صلىاللهعليهوسلم أبو المؤمنين أي في الحرمة ونحوها ، وقال الراغب بعد أن قال الأب الوالد ما نصه : ويسمى كل من كان سببا في إيجاد شيء أو إصلاحه أو ظهوره أبا ولذلك سمي النبي صلىاللهعليهوسلم أبا المؤمنين قال الله تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلى