يطلب من محله ، ولا دلالة في الآية على انحصار حكمة إلقاء الرواسي فيها بسلامتها عن الميد فإن لذلك حكما لا تحصى.
وكذا لا دلالة فيها على عدم حركتها على الاستدارة دائما كما ذهب إليه أصحاب فيثاغورس ، ووراءه مذاهب أظهر بطلانا منه. نعم الأدلة النقلية والعقلية على ذلك كثيرة (وَبَثَّ فِيها) أي أوجد وأظهر ، وأصل البث الإثارة والتفريق ومنه (فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا) [الواقعة : ٦] و (كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ) [القارعة : ٤] وفي تأخيره إشارة إلى توقفه على إزالة الميد (مِنْ كُلِّ دابَّةٍ) من كل نوع من أنواعها (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً) هو المطر والمراد بالسماء جهة العلو ، وجوز تفسيرها بالمظلة وكون الإنزال منها بضرب من التأويل ، وترك التأويل لا ينبغي أن يعول عليه إلا إذا وجد من الأدلة ما يضطرنا إليه لأن ذلك خلاف المشاهد (فَأَنْبَتْنا فِيها) أي بسبب ذلك الماء (مِنْ كُلِّ زَوْجٍ) أي صنف (كَرِيمٍ) أي شريف كثير المنفعة ، والالتفات إلى ضمير العظمة في الفعلين لإبراز مزيد الاعتناء بهما لتكررهما مع ما فيهما من استقامة حال الحيوان وعمارة الأرض ما لا يخفى.
(هذا) أي ما ذكر من السماوات والأرض وسائر الأمور المعدودة (خَلْقُ اللهِ) أي مخلوقه (فَأَرُونِي) أي أعلموني وأخبروني ، والفاء واقعة في جواب شرط مقدر أي إذا علمتم ذلك فأروني (ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) مما اتخذتموهم شركاء له سبحانه في العبادة حتى استحقوا به العبودية ، و (ما ذا) يجوز أن يكون اسما واحدا استفهاميا ويكون مفعولا لخلق مقدما لصدارته وأن يكون (ما) وحدها اسم استفهام مبتدأ و (ذا) اسم موصول خبرها وتكون الجملة معلقا عنها سادة مسد المفعول الثاني لأروني ، وأن يكون (ما ذا) كله اسما موصولا فقد استعمل كذلك على قلة على ما قال أبو حيان ويكون مفعولا ثانيا له والعائد محذوف في الوجهين وقوله تعالى :
(بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) إضراب عن تبكيتهم بما ذكر إلى التسجيل عليهم بالضلال البين المستدعي للإعراض عن مخاطبتهم بالمقدمات المعقولة الحقة لاستحالة أن يفهموا منها شيئا فيهتدوا به إلى العلم ببطلان ما هم عليه أو يتأثروا من الإلزام والتبكيت فينزجروا عنه ، ووضع الظاهر موضع ضميرهم للدلالة على أنهم بإشراكهم واضعون للشيء في غير موضعه ومتعدون عن الحد وظالمون لأنفسهم بتعريضها للعذاب الخالد.
(وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ(١٢) وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (١٣) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤) وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٥) يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (١٦) يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٧) وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (١٨) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ