(وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ) الذين كانوا يزعمونهم شركاء لله سبحانه وتعالى ويعبدونهم معه عزوجل ؛ والمراد بهم كل من اتخذوه شريكا له جبل وعلا من صنم ووثن وشيطان وآدمي وملك وإضافتهم إلى ضمير المشركين لهذا الاتخاذ ، وقيل : أريد بهم معبوداتهم الباطلة كما تقدم. والإضافة إليهم لأنهم جعلوا لهم نصيبا من أموالهم وأنعامهم ، واقتصر بعضهم على الأصنام ولعل التعميم أولى ، وقال الحسن : شركاؤهم الشياطين شركوهم في الأموال والأولاد ، وقيل : شركوهم في الكفر أي كفروا مثل كفرهم ، وقيل : شركوهم في وبال ذلك حيث حملوهم عليه (قالُوا) أي بألسنتهم وقيل : ختم الله تعالى على أفواههم وأنطق جوارحهم فقالت عنهم (رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ) أي نعبدهم ونطيعهم ولعلهم قالوا ذلك طمعا في توزيع العذاب بينهم. واعترض بأنه لا يناسب تفسير الشركاء بالأصنام وفيه أنها تجيء على حالة يعقل معها عذابها فلا بأس في ذلك سواء فسرت الشركاء بالأصنام فقط أو بما يعمها وغيرها ، وقال أبو مسلم : مقصودهم من ذلك إحالة الذنب على الشركاء ظنا منهم أن ذلك ينجيهم من عذاب الله تعالى أو ينقص من عذابهم شيئا.
وتعقبه القاضي بأنه بعيد لأن الكفار يعلمون علما ضروريا في الآخرة أن العذاب سينزل بهم ولا نصرة ولا فدية ولا شفاعة ، وأورد نحوه على ما ذكرنا بناء على أنهم يعلمون ضروريا أيضا أنه لا يحمل أحد من عذابهم شيئا.
وأجيب بأنه على تقدير تسليم حصول العلم الضروري لهم بذلك إذ ذاك يجوز أن يدهشوا فيغفلوا عن ذلك فيقولوا ما يقولون طامعين فيما ذكر وهو نظير قولهم : «ربنا خفف عنا يوما من العذاب. يا مالك ليقض علينا ربك. ربنا أخرجنا نعمل صالحا» إلى غير ذلك مما لهم على ضروري عند بعضهم بأنه لا يكون. وقيل : القوم مع علمهم بأن ما يرجونه ويطمعون فيه لا يحصل لهم أصلا وعدم غفلتهم عن ذلك تغلبهم أنفسهم بمقتضى الطبيعة لشدة ما هم فيه والعياذ بالله تعالى حتى تعلق آمالها بالمحال ، وقيل : قالوا ذلك اعترافا بأنهم كانوا مخطئين في عبادتهم. وتعقب بأنه لا يناسب قوله تعالى : «من دونك» وفيه تأمل. نعم قوله تعالى : (فَأَلْقَوْا) أي شركاؤهم (إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ) أظهر ملاءمة للأول فإن تكذيبهم إياهم فيما قالوا ظاهر في كونه للمدافعة والتخلص عن غائلة مضمونه والظاهر أن التكذيب راجع إلى دعوى أنهم كانوا يعبدونهم أو يطيعونهم من دون الله تعالى ومرادهم على ما قيل : إنكم ما عبدتمونا حقيقة وإنما عبدتم أشياء تصورتموها بأذهانكم الفاسدة وزعمتم أنا هاتيك الأشياء وهيهات هيهات ليس بيننا وبينها جهة جامعة ولا علاقة نافعة ، وقيل : إنما كذبوهم وقد كانوا يعبدونهم لأن الأوثان ما كانوا راضين بعبادتهم لهم فكأن عبادتهم لم تكن عبادة لهم كما قالت الملائكة عليهمالسلام : «بل كانوا يعبدون الجن» يعنون أن الجن هم الذين كانوا راضين بعبادتهم لا نحن ، والشياطين وإن كانوا راضين بعبادتهم لهم لكنهم لم يكونوا حاملين لهم على وجه القسر والإلجاء كما قال إبليس : (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) [إبراهيم : ٢٢] فكأنهم قالوا : ما عبدتمونا حقيقة وإنما عبدتم أهواءكم ، وقيل : يجوز أن يكون الشياطين كاذبين في إخبارهم بكذب من عبدهم كما كذب إبليس عليه اللعنة في قوله : (إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ) [إبراهيم : ٢٢] وجوز أن يكون التكذيب راجعا إلى أنهم شركاء لله سبحانه لا إلى أنهم كانوا يعبدونهم ومرادهم تنزيه الله جل وعلا عن الشريك في ذلك الموقف ، وخص هذا بعضهم بتقدير إرادة الشياطين من الشركاء فافهم ، والظاهر أن قائل هذا جميع الشركاء ولا يمنع من ذلك تفسيره بما يعم الأصنام إذ لا بعد في أن ينطقها الله تعالى الذي أنطق كل شيء بذلك ، وجوز على التعميم أن يكون القائل بعضهم وهو من يعقل منهم ؛ وكان الظاهر ـ فقالوا لهم إنكم لكاذبون ـ إلا أنه عدل إلى ما في النظم الكريم للإشارة إلى أنهم قالوا ذلك لهم على وجه الإفصاح بحيث يدرك ويمتاز عن غيره ، وفيه من الإشعار بالحرص على