والتفت إليه (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ) أي سماوات الأرواح (وَالْأَرْضَ) أي أرض الأجساد (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ) أي سماء عالم القدس (ماءً) وهو ماء العلم (فَأَخْرَجَ بِهِ) من أرض النفس (مِنَ الثَّمَراتِ) وهي ثمرات الحكم والفضائل (رِزْقاً لَكُمْ) في تقوى القلب بها (وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ) أي فلك العقول (لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ) أي بحر آلائه وأسرار مخلوقاته الدالة على عظمته سبحانه (وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ) أي أنهار العلم التي تنتهي بكم إلى ذلك البحر العظيم (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ) شمس الروح (وَالْقَمَرَ) قمر القلب (دائِبَيْنِ) في السير بالمكاشفة والمشاهدة (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ) ليل ظلمة صفات النفس (وَالنَّهارَ) نهار نور الروح لطلب المعاش والمعاد والراحة والاستنارة (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) بلسان الاستعداد فإن المسئول بذلك لا يمنع (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ) السابقة واللاحقة (لا تُحْصُوها) لعدم تناهيها (إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ) ينقص حق الله تعالى أو حق نفسه بإبطال الاستعداد أو يضع نور الاستعداد في ظلمة الطبيعة ومادة البقاء في محل الفناء (كَفَّارٌ) لتلك النعم التي لا تحصى لغفلته عن المنعم عليه بها ، وقيل : إن الإنسان لظلوم لنفسه حيث يظن أن شكره يقابل نعمه تعالى ، كفار محجوب عن رؤية الفضل عليه بداية ونهاية. نسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحب ويرضى ويكرمنا بالهداية والعناية.
(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (٣٥) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٦) رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (٣٧) رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٣٨) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٩) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (٤٠) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (٤١) وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ (٤٢) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (٤٣) وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (٤٤) وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ (٤٥) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (٤٦) فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ (٤٧) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (٤٨) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٤٩) سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (٥٠) لِيَجْزِيَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٥١) هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ