العظيمة الظاهرة الاختصاص به تعالى شأنه المعلومة كذلك فيما بينهم حسبما يؤذن به غير آية ؛ والاقتصار على ذكر الخلق من بين ما تقدم لكونه أعظمه وأظهره واستتباعه إياه أو لكون كل من ذلك خلقا مخصوصا أي أبعد ظهور اختصاصه سبحانه بمبدئية هذه الشئون الواضحة الدالة على وحدانيته تعالى وتفرده بالألوهية واستحقاق العبادة يتصور المشابهة بينه وبين ما هو بمعزل عن ذلك بالمرة كما هو قضية إشراككم ، وكان حق الكلام بحسب الظاهر في بادئ النظر أفمن لا يخلق كمن يخلق ، لكن قيل : حيث كان التشبيه نسبة تقوم بالمنتسبين اختير ما عليه النظم الكريم مراعاة لحق سبق الملكة على العدم وتفاديا عن توسيط عدمها بينها وبين جزئياتها المفصلة قبلها وتنبيها على كمال قبح ما فعلوه من حيث إن ذلك ليس مجرد رفع أصنامهم عن محلها بل حط لمنزلة الربوبية إلى مرتبة الجماد ولا ريب أنه أقبح من الأول ، والمراد بمن لا يخلق كل ما هذا شأنه من ذوي العلم كالملائكة وعيسى عليهمالسلام وغيرهم كالأصنام ، وأتى بمن تغليبا لذوي العلم على غيرهم مع ما فيه من المشاكلة أو ذوو العلم خاصة ويعرف منه حال غيرهم بدلالة النص ، فإن من يخلق حيث لم يكن كمن لا يخلق وهو من جملة ذوي العلم فما ظنك بالجماد ، وقيل : المراد به الأصنام خاصة ، والتعبير بمن إما للمشاكلة أو بناء على ما عند عبدتهما ، والأولى ما تقدم ، ودخول الأصنام في حكم عدم المشابهة إما بطريق الاندراج أو بطريق الانفهام بدلالة النص على الطريق البرهاني قاله بعض المحققين. واستدل بالآية على بطلان مذهب المعتزلة في زعمهم أن العباد خالقون لأفعالهم.
وقال الشهاب بعد أن قرر تقدير المفعول عاما على طرز ما ذكرنا : وجوز أن يكون العموم فيه مأخوذا من تنزيل الفعل منزلة اللازم أنه علم من هذا عدم توجه الاحتجاج بها على المعتزلة في إبطال قولهم بخلق العباد أفعالهم كما وقع في كتب الكلام لأن السلب الكلي لا ينافي الإيجاب الجزئي اه حسبما وجدناه في النسخ التي بأيدينا ولعلها سقيمة وإلا فلا أظن إلا كبوة جواد وهو ظاهر (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) أي ألا تلاحظون فلا تتذكرون ذلك فإنه لجلائه لا يحتاج إلى شيء سوى التذكر وهو مراجعة ما سبق تصوره وذهل عنه ، وقدر بعضهم المفعول عدم المساواة ، وذكر أنه لعدم سبقه حتى يتصور فيه حقيقة التذكر بأن يتصور ويذهل عنه جعل التذكر استعارة تصريحية للعلم به ، وقيل : الاستعارة مكنية في المفعول المقدر وإثبات التذكر تخييل فتذكر.
(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) تذكير اجمالي لنعمه تعالى بعد تعداد طائفة منها ، وفصل ما بينهما بقوله تعالى : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) كما قيل للمبادرة إلى الزام الحجة والقام الحجر إثر تفصيل ما فصل من الأفاعيل التي هي أدلة التوحيد ، ودلالتها عليه وإن لم تكن مقصورة على حيثية الخلق ضرورة ظهور دلالتها عليه من حيثية الإنعام أيضا لكنها حيث كانت من مستتبعات الحيثية الأولى استغني عن التصريح بها ثم بين حالها بطريق الإجمالي أي إن تعدوا نعمه تعالى الفائضة عليكم مما ذكر ومما يذكر لا تطيقوا حصرها وضبط عددها فضلا عن القيام بشكرها ، وقد تقدم الكلام في تحقيق ذلك حسبما من الله تعالى به (إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ) حيث يستر ما فرط منكم من كفرانها والإخلال بالقيام بحقوقها ولا يعاجلكم بالعقوبة على ذلك (رَحِيمٌ) حيث يفيضها عليكم مع استحقاقكم للقطع والحرمان بما تأتون وما تذرون من أصناف الكفر والعصيان التي من جملتها المساواة بين الخالق وغيره ، وكل من ذينك الستر والإفاضة وأيما نعمة ، فالجملة تعليل للحكم بعدم الإحصاء ، وتقديم المغفرة على الرحمة لتقدم التخلية على التحلية (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ) أي تضمرونه من العقائد والأعمال (وَما تُعْلِنُونَ) أي تظهرونه منهما ، وحذف العائد لمراعاة الفواصل أي يستوي بالنسبة إلى علمه سبحانه المحيط الأمران ، وفي تقديم الأول على الثاني تحقيق للمساواة على أبلغ وجه ، وفي ذلك من الوعيد والدلالة على اختصاصه تعالى بصفات الإلهية ما لا يخفى ، أما الأول فلأن علم