إنه مضاف إلى مفعوله على معنى عنده تعالى مكرهم الذي يمكرهم به وتعقبه أبو حيان بأن المحفوظ أن مكر لازم ولم يسمع متعديا ، وأجيب بأنه يجوز أن يكون المكر متجوزا به أو مضمنا معنى الكيد أو الجزاء ، والكلام في نسبة المكر إليه تعالى وأنه إما باعتبار المشاكلة أو الاستعارة مشهور ، وذكر بعض المحققين أن المراد بهذا المكر ما أفاده قوله تعالى : (كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ) لا أنه وعيد مستأنف. والجملة حال من الضمير في «مكروا» أي مكروا مكرهم وعند الله تعالى جزاؤه أو هو ما أعظم منه. والمقصود بيان فساد رأيهم حيث باشروا فعلا مع تحقق ما يوجب تركه (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ) أي وإن كان مكرهم في غاية الشدة والمتانة ، وعبر عن ذلك بكونه معدى لإزالة الجبال عن مقارها لكونه مثلا في ذلك. (وَإِنْ) شرطية وصلية عند جمع ، والمراد أنه سبحانه مجازيهم على مكرهم ومبطله إن لم يكن في هذه الشدة وإن كان فيها ، ولا بد على هذا الوجه من ملاحظة الإبطال وإلا فالجزاء المجرد عن ذلك لا يكاد يتأتى معه النكتة التي يدور عليها ما في إن الوصلية من التأكيد المعنوي. وجوز أن يكون المعنى أنه تعالى يقابلهم بمكرهم ، ولا يمنع من ذلك كون مكرهم في غاية الشدة فهو سبحانه وتعالى أشد مكرا ، ولا حاجة حينئذ إلى ملاحظة الإبطال فتدبر. وعن الحسن وجماعة أن (إِنْ) نافية واللام لام الجحود (كانَ) تامة ، والمراد بالجبال آيات الله تعالى وشرائعه ومعجزاته الظاهرة على أيدي الرسل السالفة عليهمالسلام التي هي كالجبال في الرسوخ والثبات والقصد إلى تحقير مكرهم وأنه ما كان لتزول منه الآيات والنبوات. وجوز أن تكون (كانَ) ناقصة وخبرها إما محذوف أو الفعل الذي دخلت عليه اللام على الخلاف الذي بين البصريين والكوفيين. وأيد هذا الوجه بما روي عن ابن مسعود من أنه قرأ «وما كان» بما النافية ، وتعقب بأن فيه معارضة للقراءة الدالة على عظم مكرهم كقراءة الجمهور ، وأجيب بأن الجبال في تلك القراءة يشار بها إلى ما راموا إبطاله من الحق كما أشرنا إليه وفي هذه على حقيقتها فلا تعارض إذ لم يتواردا على محل واحد نفيا وإثباتا. ورد بأنه إذا جعل الحق شبيها بالجبال في الثبات كان مثلها بل أدون منها في هذا المعنى ، فإذا نفى إزالته إياه انتفى إزالته جبال الدنيا وحينئذ يجيء الإشكال.
وتعقبه الشهاب بأن هذا غير وارد لأن المشبه لا يلزم أن يكون أدون من المشبه به في وجه الشبه بل فقد يكون بخلافه ولو سلم فقد يقدر على إزالة الأقوى دون الآخر لمانع كالشجاع يقدر على قتل أسد ولا يقدر على قتل رجل مشبه به لامتناعه بعدة أو حصن ولا حصن أحصن وأحمى من تأييد الله تعالى شأنه للحق بحيث تزول الجبال يوم تنسف نسفا ولا يزول انتهى ، وإلى تفسير (الْجِبالُ) على هذه القراءة بما ذكرنا شيخ الإسلام ثم قال : وأما كونها عبارة عن أمر النبي لله وأمر القرآن العظيم ـ كما قيل ـ فلا مجال له إذ الماكرون هم المهلكون لا الساكنون في مساكنهم من المخاطبين. وإن خص الخطاب بالمنذرين وسيظهر لك قريبا إن شاء الله تعالى جواز ذلك على بعض الأقوال في الآية ، والجملة حال من الضمير في (مَكَرُوا) لا من قوله تعالى (وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ) وجوز أبو البقاء. وغيره أن تكون مخففة من الثقيلة والمعنى إن كان مكرهم ليزول منه ما هو كالجبال في الثبات من الآيات والشرائع والمعجزات ، والجملة أيضا حال من الضمير المذكور أي مكروا مكرهم المعهود وأن الشأن كان مكرهم لإزالة الحق من الآيات والشرائع على معنى أنه لم يكن يصح أن يكون منهم مكر كذلك وكان شأن الحق مانعا من مباشرة المكر لإزالته.
وقرأ ابن عباس ومجاهد وابن وثاب والكسائي (لِتَزُولَ) بفتح اللام الأولى ورفع الفعل ـ فإن ـ على ذلك عند البصريين مخففة واللام هي الفارقة ، وعند الكوفيين نافية واللام بمعنى إلا ، والقصد إلى تعظيم مكرهم فالجملة حال من قوله تعالى : (وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ) أي عنده تعالى جزاء مكرهم أو المكر بهم والحال أن مكرهم بحيث تزول منه الجبال أن في غاية الشدة. وقرئ «لتزول» بالفتح والنصب ، وخرج ذلك على لغة جاءت في فتح لام كي. وقرأ عمر.