النوع وبالهلاك هلاك الأشخاص ، ويجوز أن لا ينقطع النوع أصلا مع هلاك الأشخاص بأن يكون هلاك كل شخص معين من الأكل بعد وجود مثله ، وهذا مبني على ما ذهب إليه الأكثرون من أن الجنة لا يطرأ عليها العدم ولو لحظة ، وأما على ما قيل : من جريانه عليها لحظة فلا يتم لأنه يلزم منه انقطاع النوع قطعا كما لا يخفى.
وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه وابن مسعود رضي الله تعالى عنه «مثال الجنة» وفي اللوامح عن السلمي «أمثال الجنة» أي صفاتها (تِلْكَ) الجنة المنعوتة بما ذكر (عُقْبَى (١) الَّذِينَ اتَّقَوْا) الكفر والمعاصي أي مآلهم ومنتهى أمرهم (وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ) لا غير كما يؤذن به تعريف الخبر ، وحمل الاتقاء على اتقاء الكفر والمعاصي لأن المقام مقام ترغيب وعليه يكون العصاة مسكوتا عنهم ، وقد يحمل على اتقاء الكفر بقرينة المقابلة فيدخل العصاة في الذين اتقوا لأن عاقبتهم الجنة وإن عذبوا.
(وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) نزلت ـ كما قال الماوردي ـ في مؤمني أهل الكتابين كعبد الله بن سلام. وكعب. وأضرابهما من اليهود وكالذين أسلموا من النصارى كالثمانين المشهورين وهم أربعون رجلا بنجران وثمانية باليمن واثنان وثلاثون بالحبشة ، فالمراد بالكتاب التوراة والإنجيل (يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) إذ هو الكتاب الموعود فيما أوتوه (وَمِنَ الْأَحْزابِ) أي من أحزابهم وهم كفرتهم الذين تحزبوا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالعداوة ككعب بن الأشرف. وأصحابه. والسيد ، والعاقب أسقفي نجران. وأشياعهما ، وأصله جمع حزب بكسر وسكون الطائفة المتحزبة أي المجتمعة لأمر ما كعداوة وحرب وغير ذلك ، وإرادة جماعة مخصوصة منه بواسطة العهد (مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ) وهو ما لا يوافق كتبهم من الشرائع الحادثة إنشاء أو نسخا وأما ما يوافق كتبهم فلم ينكروه وإن لم يفرحوا به ، وعن ابن عباس. وابن زيد أنها نزلت في مؤمني اليهود خاصة. فالمراد بالكتاب التوراة وبالأحزاب كفرتهم. وعن مجاهد. والحسن. وقتادة أن المراد بالموصول جميع أهل الكتاب فإنهم كانوا يفرحون بما يوافق كتبهم. فالمراد ـ بما أنزل إليك ـ بعضه وهو الموافق ، واعترض عليه بأنه يأباه مقابلة قوله سبحانه : (وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ) لأن إنكار البعض مشترك بينهم ، وأجيب بأن المراد من الأحزاب من حظه إنكار بعضه فحسب ولا نصيب له من الفرح ببعض منه لشدة بغضه وعداوته وأولئك يفرحون ببعضه الموافق لكتبهم ، وقيل : الظاهر أن المعنى أن منهم من يفرح ببعضه إذا وافق كتبهم وبعضهم لا يفرح بذلك البعض بل يغتم به وإن وافقها وينكر الموافقة لئلا يتبع أحد منهم شريعته صلىاللهعليهوسلم كما في قصة الرجم ، وأنت تعلم أن الجوابين ليسا بشيء ، وعلى تفسير الموصول بعامة أهل الكتاب فسر البعض البعض بما لم يوافق ما حرفوه ، وبين ذلك بأن منهم من يفرح بما وافق ومنهم من ينكره لعناده وشدة فساده ، وإنكارهم لمخالفة المحرف بالقول دون القلب لعلمهم به أو هو بالنسبة لمن لم يحرفه ، ولعل نعي الإنكار أوفق بالمقام من نعي التحريف عليهم على ما لا يخفى على المتأمل ، وقيل : المراد بالموصول مطلق المسلمين وبالأحزاب اليهود والنصارى والمجوس (١).
وأخرج ذلك ابن جرير عن قتادة ، فالمراد بالكتاب القرآن ، ومعنى (يَفْرَحُونَ) استمرار فرحهم وزيادته وقالت فرقة : المراد بالأحزاب أحزاب الجاهلية من العرب ، وقال مقاتل : هم بنو أمية. وبنو المغيرة. وآل أبي طلحة (قُلْ) صادعا بالحق غير مكترث بمنكر بعض ما أنزل إليك (إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ) أي شيئا من الأشياء أو لا أفعل الإشراك به سبحانه ، والظاهر أن المراد قصر الأمر على عبادته تعالى خاصة وهو الذي يقتضيه كلام الإمام حيث
__________________
(١) وهم لا ينكرون كثيرا من القصص اه منه.