جميعا ليتخلصوا عما بهم ، وفيه من تهويل ما يلقاهم ما لا يحيط به البيان ، والموصول مبتدأ والجملة الشرطية خبره وهي على ما قيل واقعة موضع السوأى المقابلة للحسنى الواقعة في القرينة الأولى فكأنه قيل : وللذين لم يستجيبوا له السوأى. وتعقب بأن الشرطية وإن دلت على سوء حالهم لكنها بمعزل عن القيام مقام لفظ السوأى مصحوبا باللام الجارة الداخلة على الموصول أو ضميره وعليه يدور حصول المرام ؛ فالذي ينبغي أن يعول عليه أن الواقع في تلك المقابلة سوء الحساب في قوله تعالى : (أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ) وحيث كان اسم الإشارة الواقع مبتدأ في هذه الجملة عبارة عن الموصول الواقع مبتدأ في الجملة السابقة كان خبره أعني الجملة الظرفية خبرا عن الموصول في الحقيقة ومبينا لإبهام مضمون الشرطية الواقعة خبرا عنه أولا ولذلك ترك العطف فكأنه قيل : والذين لم يستجيبوا له لهم سوء الحساب وذلك في قوة أن يقال : وللذين لم يستجيبوا له سوء الحساب مع زيادة تأكيد فتم حسن المقابلة على أبلغ وجه وآكده. واعتذر بأنه يمكن أن يكون المراد أن (لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) إلى آخره الآية واقع موقع ذلك على معنى أن رعاية حسن المقابلة لقوله تعالى : (لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى) تقتضي أن يقال : وللذين لم يستجيبوا له السوأى ولا يزاد على ذلك لكنه جيء بقوله سبحانه : (لَوْ أَنَّ لَهُمْ) إلخ بدل ما ذكر ، ولعل في كلام الطيبي ما يستأنس به لذلك. وإلى اعتبار السوأى في المقابلة ذهب أيضا صاحب الكشف قال : إن قوله تعالى (لَوْ أَنَّ لَهُمْ) في مقابلة الحسنى بدل السوأى مع زيادة تصوير وتحسير ، وأوثر الإجمال في الأول دلالة على أن جزاء المستجيبين لا يدخل تحت الوصف فتدبر ، والمراد بسوء الحساب أي الحساب السيئ على ما روي عن إبراهيم النخعي. والحسن أن يحاسبوا بذنوبهم كلها لا يغفر لهم منها شيء وهو المعني بالمناقشة. وعن ابن عباس هو أن يحاسبوا فلا تقبل حسناتهم ولا تغفر سيئاتهم (وَمَأْواهُمْ) أي مرجعهم (جَهَنَّمُ) بيان لمؤدى ما تقدم وفيه نوع تأييد لتفسير الحسنى بالجنة (وَبِئْسَ الْمِهادُ) أي المستقر ، والمخصوص بالذم محذوف أي مهادهم أو جهنم.
وقال الزمخشري : اللام في قوله تعالى : (لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا) متعلقة بيضرب الله الأمثال وقوله سبحانه: (الْحُسْنى) صفة للمصدر أي استجابوا الاستجابة الحسنى ، وقوله عزوجل : (وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا) معطوف على الموصول الأول ، وقوله جل وعلا : (لَوْ أَنَّ لَهُمْ) إلخ كلام مستأنف مسوق لبيان ما أعد لغير المستجيبين من العذاب ، والمعنى كذلك يضرب الله تعالى الأمثال للمؤمنين المستجيبين والكافرين المعاندين أي هما مثلا الفريقين انتهى ، قال أبو حيان : والتفسير الأول أولى لأن فيه ضرب الأمثال غير مقيد بمثل هذين ، والله تعالى قد ضرب أمثالا كثيرة في هذين وفي غيرهما ولأن فيه ذكر ثواب المستجيبين بخلاف هذا ولأن تقدير الاستجابة الحسنى مشعر بتقييد الاستجابة ومقابلها ليس نفي الاستجابة مطلقا وإنما هو نفي الاستجابة الحسنى والله تعالى قد نفى الاستجابة مطلقا ولأنه حينئذ يكون (لَوْ أَنَّ لَهُمْ) إلخ كلاما مفلتا أو كالمفلت إذ يصير المعنى كذلك يضرب الله الأمثال للمؤمنين والكافرين لو أن لهم إلخ ، ولو كان هنا حرف يربط (لَوْ) بما قبلها زال التفلت ، وأيضا أنه يوهم الاشتراك في الضمير وإن كان تخصيص ذلك بالكافرين معلوما : وتعقب بأنه لا كلام في أولوية التفسير الأول لكن كون ما ذكر وجها لها محل كلام إذ لا مقتضى في التفسير الثاني لتقييد الأمثال عموما بمثل هذين ، ألا ترى قوله تعالى : (كَذلِكَ) ثم إن فيه تفهيم ثواب المستجيبين أيضا ألا يرى إلى القصر المستفاد من تقديم الظرف ، وأيضا قوله تعالى : (الْحُسْنى) صفة كاشفة لا مفهوم لها فإن الاستجابة لله تعالى لا تكون إلا حسنى وكيف يكون قوله سبحانه : (لَوْ أَنَّ لَهُمْ) إلخ مفلتا وقد قالوا : إنه كلام مبتدأ لبيان حال المستجيبين يعنون أنه استئناف بياني جواب للسؤال عن مآل حالهم ثم كيف يتوهم الاشتراك مع كون تخصيصه بالكافرين معلوما انتهى. قال بعض المحققين : إن ما ذكر متوجه