يا هشام! اعرف العقل وجنده ، والجهل وجنده ، تكن من المهتدين.
قال هشام : فقلت : جعلت فداك ، لا نعرف إلاّ ما عرّفتنا.
فقال عليه السلام : يا هشام! إنّ الله خلق العقل وهو أوّل خلق خلقه الله من الروحانيّين(١) عن يمين العرش من نوره (٢) ، فقال له : أبر فأدبر.
ثمّ قال له : أقبِل ، فأقبَل.
فقال الله جلّ وعزّ : خلقتك خلقاً عظيماً وكرّمتك على جميع خلقي.
ثمّ خلق الجهل من البحر الاَُجاج الظلماني ، فقال له : أدبِر ، فأدبَر.
ثمّ قال له : أقبِل ، فلم يُقبِل.
فقال له : استكبرت؛ فلعنه ، ثمّ جعل للعقل خمسةً وسبعين جنداً ، فلمّا رأى الجهل ما كرّم الله به العقل وما أعطاه أضمر له العداوة.
____________
أوجه الناس للعقل.
(١) «وهو أوّل خلق خلقه الله من الروحانيّين» أي هو أوّل مخلوق من المنسوبين إلى الروح في مدينة بنية الاِنسان المتمركزين بأمر الربّ والسلطان في مقرّ الحكومة العقليّة ، فهو أوّلها ورأسها ، ثمّ يوجد بعده وبسببه جنداً فجنداً إلى أن يكمل للاِنسان جودة العقل.
قال المجلسي رحمه الله في بحار الاَنوار ٥٧/٣٠٩ : هذا لا يدلّ على تقدّم العقل على جميع الموجودات ، بل على خلق الروحانيّين ، ويمكن أن يكون خلقها متأخّر عن خلق الماء والهواء ، وأمّا خبر «أوّل ما خلق الله العقل» فلم أجده في طرقنا ، وإنّما هو في طرق العامّة ، وعلى تقديره يمكن أن يراد به نفس الرسول صلىالله عليه وآله وسلم لاَنّه أحد إطلاقات العقل ، على أنّه يمكن حمل العقل على التقدير في بعض تلك الاَخبار ، كما هو أحد معانيه ، وكذا حديث «أوّل ما خلق الله القلم» يمكن حمله على الاَوّليّة الاِضافية بالنسبة إلى جنسه من الملائكة ، أو بعض المخلوقات.
(٢) «يمين العرش» أي أقوى جانبيه وأشرفهما.
«من نوره» أي من نور ذاته.
أخرج هذه القطعة في عوالم العلوم ٢/٤١ ح ٦ عن التحف.