يا هشام! : قلّة المنطق حكم عظيم ، فعليكم بالصمت ، فإنّه دعة حسنة ، وقلّة وزرٍ ، وخفّة من الذنوب ، فحصّنوا باب الحلم ، فإنّ بابه الصبر ، وإنّ الله عزّ وجلّ يبغض الضحّاك من غير عجبٍ والمشّاء إلى غير إربٍ ، ويجب على الوالي أن يكون كالراعي لا يغفل عن رعيّته ولا يتكبّر عليهم ، فاستحيوا من الله في سرائركم كما تستحيون من الناس في علانيتكم ، واعلموا أنّ الكلمة من الحكمة ضالّة المؤمن ، فعليكم بالعلم قبل أن يرفع ، ورفعه غيبة عالِمكم بين أظهركم(١)(٢).
يا هشام! تعلّم من العلم ما جهلت ، وعلّم الجاهل ممّا عُلّمت ، عظّم العالِم لعلمه ، ودع منازعته ، وصغّر الجاهل لجهله ، ولا تطرده(٢) ، ولكن
____________
= في ذلك اليوم يتبيّن المتّقون واقعاً ، ويمتازون عن المجرمين ، ويحشرون إلى الرحمن وفداً ، وأمّا في الدنيا فكثيراً ما يشبّه غيرهم بهم.
(١) «حكم عظيم» الحكم : الحكمة.
«فإنّه دعة حسنة» الدعة : السكون والراحة.
«والمشّاء إلى غير إربٍ» المشّاء : الكثير المشي ، والاِرب : الحاجة.
«واعلموا أنّ الكلمة من الحكمة ضالّة المؤمن» المراد أنّ المؤمن يأخذ الحكمة من كلّ من وجدها عنده ، وإن كان كافراً أو فاسقاً ، كما أنّ صاحب الضالّة يأخذها حيث وجدها؛ وقيل : المراد أنّ من كان عنده حكمة لا يفهمها ولا يستحقّها يجب أن يطلب من يأخذها بحقّها كما يجب تعريف الضالّة ، وإذا وجد من يستحقّها وجب أن لا يبخل في البذل كالضالّة.
«بين أظهركم» قال ابن الاَثير في النهاية ٣/١٦٦ : في الحديث «فأقاموا بين ظهرانيّهم وبين أظهرهم ... والمراد بها أنّهم أقاموا بينهم على سبيل الاستظهار ، والاستناد إليهم ، وزيدت فيه ألف ونون مفتوحة تأكيداً ، ومعناه أنّ ظهراً منهم قدّامه وظهراً وراءه ، فهو مكنوف من جانبيه ، ومن جوانبه إذا قيل : بين أظهرهم ، ثمّ كثر حتّى استعمل في الاِقامة بين القوم مطلقاً.
(٢) أخرج هذه القطعة في عوالم العلوم ٣/٢٠٥ ح ١٠ عن التحف.
(٣) «ولا تطرده» ولا تبعده.