(ومنهـم مـن يستمعـون إليك) أي إذا قـرأت القـرآن وعلمـت الشرائـع ولكن لا يطيعونك فيها كالاَصمّ الذي لا يسمع أصلاً.
(أفأنت تسمع الصمّ) وتقدر على إسماعه ، ولو انضمّ على صممه عدم تعقّله شيئاً من الحقّ لقساوة قلبه.
وقال : (أم تحسب أنّ أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلاّ كالاَنعام بل هم أضلّ سبيلاً)(١).
وقال : (لا يقاتلونكم جميعاً إلاّ في قرىً محصّنةٍ أو من وراء جُدُرٍ بأسهم بينهم شديدٌ تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتّى ذلك بأنّهم قوم لا يعقلون)(٢).
____________
(١) سورة الفرقان ٢٥ : ٤٤.
(أم تحسب) أي : بل أتحسب أنّ أكثرهم يسمعون سماعاً ينتفعون به أو يعقلون أي يتدبّرون في ما تلوت عليهم.
(إن هم إلاّ كالاَنعام) لعدم انتفاعهم بما قرع آذانهم.
(بل هم أضلّ سبيلاً) وجه الاَضلّية أنّ البهائم معذورة لعدم القابليّة والشعور ، وكانت لهم تلك القابليّة فضيّعوها ونزّلوا أنفسهم منزلة البهائم ، أو أنّ الاَنعام أُلهمت منافعها ومضارّها ، وهي لا تفعل ما يضرّها ، وهـؤلاء عرفوا طريق الهلاك والنجاة ، وسعوا في هلاك أنفسهم ، وأيضاً تنقاد لمن يتعهّدها وتميّز من يحسن إليها ممّن يسيء إليهـا ، وهـؤلاء لا ينقادون لربّهـم ولا يعرفون إحسانـه من إساءة الشيطان ، ولا يطلبون الثواب الذي هو أعظم المنافع ، ولا يتّقون العقاب الذي هو أشدّ المضارّ ، ولاَنّها إن لم تعتقد حقّاً ولم تكتسب خيراً لم تعتقد باطلاً ولم تكتسب شرّاً ، بخلاف هـؤلاء ، ولاَنّ جهالتها لا تضرّ بأحدٍ ، وجهالة هـؤلاء تؤدّي إلى هيج الفتن ، وصدّ الناس عن الحقّ.
وأضاف المجلسي : أقول : أو لاَنّها تعرف ربّها ولها تسبيح وتقديس كما وردت به الاَخبار؛ وقيل : المراد إن شئت شبّهتهم بالاَنعام فلك ذلك ، بل لك أن تشبّههم بأضلّ منها كالسباع.
(٢) سورة الحشر ٥٩ : ١٤.
(لا يقاتلونكم) نزلت في بني النضير من اليهود والّذين وافقوهم وراسلوهم من منافقي المدينة.
(جميعاً) أي مجتمعين.
(إلاّ في قرىً محصّنة) أي بالدروب والخنادق.
(أو من وراء جُدُرٍ) أي لفرط رهبتهم.
(بأسهم بينهم شديد) أي ليس ذلك لضعفهم وجبنهم فإنّه يشتدّ بأسهم إذا