النحوية (١) ، والوقوع في مخالفة الوضع اللغوي والشرعي (٢) ، لأن المعلوم منهما اختلاف حقيقتي الغسل والمسح. فأي باعث على التعبير بأحدهما على الآخر بغير قرينة؟
ولهذا ذهب القفال (٣) وجماعة من قدماء الشافعية ، إلى أن الغسل لا
__________________
(١) كما تقدم تفصيله في ص ٣٧٧ و ٣٧٨ ، فراجع.
(٢) الوضع الشرعي هنا هو الوضع اللغوي للفظ (المسح) ، إذ لم يستعمل الشارع المقدس هذا اللفظ في آية الوضوء إلا بإزاء معناه اللغوي المتبادر ، وتخصيصه به ، ولم يستعمله كاستعماله للفظ الصلاة في الأفعال المخصوصة بعد وضعها في اللغة للدعاء ، ولا كاستعماله للزكاة في القدر المخرج من المال بعد وضعها في اللغة للنمو ، ولا كاستعماله الحج في أداء المناسك المعروفة بعد وضعه في اللغة لمطلق القصد ، بل كان الاستعمال الشرعي واللغوي للفظ المسح واحدا ، ويراد به المسح حقيقة ، ويدل عليه : إن الشارع المقدس قد جاء بلفظتي (الغسل) و (المسح) معا وفي سياق آية واحدة ، والتفريق بينهما دليل اختلافهما. على أن سيرة العقلاء قاضية بذلك فإنهم إذا ما شكوا بلفظ صدر عن متكلم ، وهل أنه أراد به معناه الموضوع له لغة ، أو أراد غيره ، حكموا بإرادة المعنى الأول تمسكا منهم بأصالة الحقيقة. وهكذا نجد تمسكهم بأصالتي عدم النقل ، وعدم التقدير في مثل المورد المذكور بيد أن الغاسل اضطر إلى القول بالمجاز تارة ، وبنقل اللفظ عن معناه أخرى ، وبتقدير اغسلوا ثالثة وكل هذا لا تحتاج إليه الآية أصلا ، لأنه ليس بموضع ضرورة كما أكده المصنف (قدسسره) مرارا.
(٣) هو أبو بكر محمد بن علي بن إسماعيل الشاشي القفال الكبير ، ولد سنة ٢٩١ ه ، وبرع في الفقه والأصول حتى صار من مشاهير علماء خراسان ، كان شافعي المذهب ، وهو من تلاميذ ابن جرير الطبري المفسر ، مات بالشاش سنة ٣٦٥ ه.
ومن الجدير بالإشارة أن كلا من أبي بكر أحمد بن محمد (ت ٥٠٧ ه) ، وعبد الله بن أحمد بن عبد الله (ت ٤١٧ ه) يعرف بالقفال ، وقد خلط ابن أبي الدم في أدب القضاء : ٣٥١ بين القفال الكبير وبين عبد الله بن أحمد المعروف بالقفال الصغير المروزي ، ومراد المصنف هو القفال الكبير ، فلا حظ.
أنظر ترجمته في فهرست
ابن النديم : ٣٠٣ ، وطبقات الفقهاء ـ للشيرازي ـ : ١١٢ ،
والأنساب ٧ / ٢٤٤ ، واللباب ٢ / ١٧٤ ، وتهذيب
الأسماء واللغات ٢ / ٢٨٢ ، والعبر ٢ /
٣٣٨ ، وسير أعلام النبلاء ١٦ / ٢٨٣ رقم ٣٠٠ ، ومرآة الجنان ٢ / ٣١٨ ، وطبقات الشافعية