ولأنه يوجب حصول اللبس لعدم القرينة على ذلك (١).
ووقوع الفصل الكثير بالأجنبي بين المعطوف والمعطوف عليه (٢) والإخلال بالفصاحة من حيث الانتقال عن جملة إلى أخرى قبل تمام الغرض من الأولى. وهذا لو فعله عربي أو عجمي (٣) ، لاستسخر به ، فكيف يقع في كلام الله الذي تحدى فيه فصحاء
__________________
(١) المراد باللَّبْسِ ـ بتسكين الباء الموحدة وفتحها ـ اختلاط الاَمر ، من : لَبَسَ عليه الاَمر يَلْبِسُه لَبْساً فالْتَبَسَ ، إذا خلطه عليه بحيث لا يعرف جهته ، لسان العرب ١٢/٢٢٥ مادة «لبس».
وتوضيح حصول اللَّبس في المقام هو :
إنَّ «الاَرجل» يصحُّ فيها المسح كما يصحُّ فيها الغسل ، ولا غضاضة على أحد فيما لو مسح ، أو غسل رجليه خارج الفرض ، إذ لا يمنعه عن ذلك شرع ولا لغة ولا عرف.
أمّا أنْ يجعل فرض «الاَرجل» في الوضوء الغسل بحجة عطفها على المغسول «الوجوه والايدي» بلا قرينة تصرف إرادة عطفها على موضع الممسوح «الرأس» ـ والنصب لا ينافي العطف على الموضع الذي يوجب التشريك في الحكم ـ فهذا مما يؤدّي بطبيعته إلى حصول اللَّبس في فرضها في الوضوء.
(٢) الفصل الواقع بين «الاَرجل» المعطوفة ، وبين «الوجوه والاَيدي» المعطوف عليها هو قوله تعالى : (وامسحوا برؤوسِكم) ، وهذه الجملة غير معترضة ولا سيقت استطراداً ، بل هي مُنشئة لحكم جديد لا يمكن إغفاله أو إهماله بأيّ شكل ، ولهذا عبّر قدس سره عن هذه الجملة بـ«الفصل الكثير بالاَجنبي» ، إذ لا يجوز تخلّل مثل هذا الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه ما لم يكن معترضاً.
وقد منع مثل هذا العطف بسبب الفصل المذكور جملة من علماء العامّة كابن حزم في المحلّى ٢/٥٦ مسألة ٢٠٠ ، والغزنوي في وضح البرهان ٢/٣٠٧ ، وتاج الدين الحنفي في الدرّ اللقيط ٣/٤٣٦ ، وأبي حيّان الاَندلسي النحوي المفسّر في البحر المحيط ٣/٤٣٧ ونقل عن أُستاذه الحسن بن عصفور أنّه قال : «ينزه كتاب الله عن هذا التخريج» ثمّ عقب عليه أبو حيان بقوله : «وهذا تخريج من يرى أنّ فرض الرجلين هو الغسل»!
كما حكى الرازي في تفسيره ١١/١٦١ الرد على لسان القائلين بالمسح ولم يعقب عليه بشيء ، كما نصّ على الرد المذكور الجمل الشافعي في الفتوحات الاِلهية ١/٤٦٧.
(٢) يقال : رجل عَجَمِيٌّ وَأعْجَمِيٌّ ، ويراد بالاَوّل من نُسب إلى جنس العجم ، ويراد بالثاني من كانت عُجمة في لسانه سواء كان عربيّاً أو عَجَميّاً. لسان العرب ٩/٦٧ مادة «عَجَمَ».