منه ، وكل المسلمين أولياء في ذلك (وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ) مع ما فيه من ذل المملوكية.
(خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ) مع ما ينسب إليه من عز المالكية (وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) بما فيه من دواعي الرغبة (أُولئِكَ) أي المذكورون من المشركين والمشركات (يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) أي الكفر المؤدي إليها إما بالقول أو بالمحبة والمخالطة فلا تليق مناكحتهم ، فإن قيل : كما أن الكفار يدعون المؤمنين إلى النار كذلك المؤمنون يدعونهم إلى الجنة بأحد الأمرين ، أجيب بأن المقصود من الآية أن المؤمن يجب أن يكون حذرا عما يضره في الآخرة وأن لا يحوم حول حمى ذلك ويجتنب عما فيه الاحتمال مع أن النفس والشيطان يعاونان على ما يؤدّي إلى النار ، وقد ألفت الطباع في الجاهلية ذلك ـ قاله بعض المحققين ـ والجملة إلخ معللة لخيرية المؤمنين والمؤمنات من المشركين والمشركات (وَاللهُ يَدْعُوا) بواسطة المؤمنين من يقاربهم (إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ) أي إلى الاعتقاد الحق والعمل الصالح الموصلين إليهما وتقديم (الْجَنَّةِ) على (الْمَغْفِرَةِ) مع قولهم : التخلية أولى بالتقديم على التحلية لرعاية مقابلة النار ابتداء (بِإِذْنِهِ) متعلق ب (يَدْعُوا) أي (يَدْعُوا) إلى ذلك متلبسا بتوفيقه الذي من جملته إرشاد المؤمنين لمقاربيهم إلى الخير أحقاء بالمواصلة (وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) لكي يتعظوا أو يستحضروا معلوماتهم بناء على أنّ معرفة الله تعالى مركوزة في العقول ، والجملة تذييل للنصح والإرشاد ، والواو اعتراضية أو عاطفة ، وفصلت الآية السابقة ب (تَتَفَكَّرُونَ) لأنها كانت لبيان الأحكام والمصالح والمنافع والرغبة فيها التي هي محل تصرف العقل والتبيين للمؤمنين فناسب التفكر ، وهذه الآية ب (يَتَذَكَّرُونَ) لأنها تذييل للإخبار بالدعوة إلى (الْجَنَّةِ) و (النَّارِ) التي لا سبيل إلى معرفتها إلا النقل والتبيين لجميع الناس فناسب التذكر.
ومن الناس من قدّر في الآية مضافا أي فريق الله أو أولياؤه وهم المؤمنون فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه تشريفا لهم ، واعترض بأن الضمير في المعطوف على الخبر لله تعالى فيلزم التفكيك مع عدم الداعي لذلك ، وأجيب بأن الداعي كون هذه الجملة معللة للخيرية السابقة ولا يظهر التعليل بدون التقدير ، وكذا لا تظهر الملاءمة لقوله سبحانه : (بِإِذْنِهِ) بدون ذلك فإن تقييد دعوته تعالى (بِإِذْنِهِ) ليس فيه حينئذ كثير فائدة بأي تفسير فسر ـ الإذن ـ وأمر التفكيك سهل لأنه بعد إقامة المضاف إليه مقام المضاف للتشريف بجعل فعل الأول فعلا للثاني صورة فتتناسب الضمائر ـ كما في الكشف ولا يخفى ما فيه ـ وعلى العلات هو أولى مما قيل : إن المراد (وَاللهُ يَدْعُوا) على لسان رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى ذلك فتجب إجابته بتزويج أوليائه لأنه وإن كان مستدعيا لاتحاد المرجع في الجملتين المتعاطفتين الواقعتين خبرا ، لكن يفوت التعليل وحسن المقابلة بينه وبين (أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) وكذا لطافة التقييد كما لا يخفى (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ) أخرج الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم عن أنس رضي الله تعالى عنهم «أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم أخرجوها من البيت ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيوت ، فسئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن ذلك؟ فأنزل الله هذه الآية فقال صلىاللهعليهوسلم : «جامعوهنّ في البيوت واصنعوا كل شيء إلا النكاح» وعن السدي ـ إن الذي سأل عن ذلك ثابت بن الدحداح رضي الله تعالى عنه ـ والجملة معطوفة على ما تقدم من مثلها ، ووجه مناسبتها له أنه لما نهى عن مناكحة الكفار ورغب في مناكحة أهل الإيمان بين حكما عظيما من أحكام النكاح ، وهو حكم النكاح في الحيض ، ولعل حكاية هذه الأسئلة الثلاثة بالعطف لوقوع الكل في وقت واحد عرفي ، وهو وقت السؤال عن (الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) فكأنه قيل : يجمعون لك بين السؤال عنهما والسؤال عن كذا وكذا ؛ وحكاية ما عداها بغير عطف لكونها كانت في أوقات متفرقة فكان كل واحد سؤالا مبتدأ ؛ ولم يقصد الجمع بينهما بل الإخبار