عنهما خلافا لمن رواه ، وقال الإمام الرازي بعد أن ذكر الرواية في ذلك : إن هذه الرواية فاسدة مردودة غير مقبولة ، ونص الشهاب العراقي ، على أن من اعتقد في هاروت وماروت أنهما ملكان يعذبان على خطيئتهما مع الزهرة فهو كافر بالله تعالى العظيم ، فإن الملائكة معصومون (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) [التحريم : ٦] (لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ. يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) [الأنبياء : ١٩ ، ٢٠] والزهرة كانت يوم خلق الله تعالى السماوات والأرض ، والقول بأنها تمثلت لهما فكان ما كان وردت إلى مكانها غير معقول ولا مقبول. واعترض الإمام السيوطي على من أنكر القصة بأن الإمام أحمد. وابن حبان. والبيهقي ، وغيرهم رووها مرفوعة وموقوفة على عليّ. وابن عباس. وابن عمر. وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم بأسانيد عديدة صحيحة يكاد الواقف عليها يقطع بصحتها لكثرتها وقوة مخرجيها ، وذهب بعض المحققين أن ما روي مروي حكاية لما قاله اليهود ـ وهو باطل في نفسه ـ وبطلانه في نفسه لا ينافي صحة الرواية ، ولا يردّ ما قاله الإمام السيوطي عليه ، إنما يردّ على المنكرين بالكلية ، ولعل ذلك من باب الرموز والإشارات فيراد من الملكين العقل النظري والعقل العملي اللذان هما من عالم القدس ، ومن المرأة المسماة بالزهرة ـ النفس الناطقة ـ ومن تعرضهما لها تعليمهما لها ما يسعدها ، ومن حملها إياهما على المعاصي تحريضها إياهما بحكم الطبيعة المزاجية إلى الميل إلى السفليات المدنسة لجوهريهما ، ومن صعودها إلى السماء بما تعلمت منهما عروجها إلى الملأ الأعلى ومخالطتها مع القدسيين بسبب انتصاحها لنصحهما ، ومن بقائهما معذبين بقاؤهما مشغولين بتدبير الجسد وحرمانهما عن العروج إلى سماء الحضرة ، لأن طائر العقل لا يحوم حول حماها ، ومن الأكابر من قال في حل هذا الرمز : إن الروح والعقل اللذين هما من عالم المجردات قد نزلا من سماء التجرد إلى أرض التعلق ، فعشقا البدن الذي هو كالزهرة في غاية الحسن والجمال لتوقف كمالهما عليه ، فاكتسبا بتوسطه المعاصي والشرك وتحصيل اللذات الحسية الدنية ، ثم صعد إلى السماء بأن وصل بحسن تدبيرهما إلى الكمال اللائق به ، ثم مسخ بأن انقطع التعلق وتفرقت العناصر ، وهما بقيا معذبين بعذاب الحرمان عن الاتصال بعالم القدس متألمين بالآلام الروحانية منكوسي الحال حيث غلب التعلق على التجرد وانعكس القرب بالبعد ، وقيل : المقصود من ذلك الإشارة إلى أن من كان ملكا إن اتبع الشهوة هبط عن درجة الملائكة إلى درجة البهيمة ، ومن كان امرأة ذات شهوة إذا كسرت شهوتها ، وغلبت عليها صعدت إلى درج الملك واتصلت إلى سماء المنازل والمراتب ، وكتب بعضهم لحله.
مل وأيم الله نفسي نفسي |
|
وطال في مكث حياتي حبسي |
أصبح في مضاجعي وأمسي |
|
أمسي كيومي وكيومي أمسي |
يا حبذا يوم نزولي رمسي |
|
مبدأ سعدي وانتهاء نحسي |
وكل جنس لاحق بالجنس |
|
من جوهر يرقى بدار الأنس |
وعرض يبقى بدار الحس هذا ومن قال بصحة هذه القصة في نفس الأمر وحملها على ظاهرها فقد ركب شططا ؛ وقال غلطا ، وفتح بابا من السحر يضحك الموتى ، ويبكي الأحياء ، وينكس راية الإسلام ، ويرفع رءوس الكفرة الطغام كما لا يخفى ذلك على المنصفين من العلماء المحققين ، وقرأ ابن عباس والحسن وأبو الأسود والضحاك ـ «الملكين» ـ بكسر اللام ، حمل بعضهم قراءة الفتح على ذلك فقال هما رجلان إلا أنهما سميا ملكين باعتبار صلاحهما ، ويؤيده ما قيل : إنهما داود وسليمان ، ويرده قول الحسن إنهما علجان كانا ببابل العراق ، وبعضهم يقول : إنهما من الملائكة ظهرا في صورة الملوك ـ وفيه حمل الكسر على الفتح على عكس ما تقدم و ـ الإنزال ـ إما على ظاهره أو بمعنى