لفهم المعنى كما أشرنا إليه ، والثاني أن يكون حالا من جبريل ، والهاء إما للقرآن أو لجبريل فإنه مصدق أيضا لما بين يديه من الرسل والكتب (وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) معطوفان على (مُصَدِّقاً) فهما حالان مثله ، والتأويل غير خفي ، وخص المؤمنين ـ بالذكر لأنه على غيرهم عمى ، وقد دلت الآية على تعظيم جبريل والتنويه بقدره حيث جعله الواسطة بينه تعالى وبين أشرف خلقه ، والمنزل بالكتاب الجامع للأوصاف المذكورة ، ودلت على ذم اليهود حيث أبغضوا من كان بهذه المنزلة العظيمة الرفيعة عند الله تعالى ، قيل : وتعلقت الباطنية بهذه الآية وقالوا : إن القرآن إلهام والحروف عبارة الرسول صلىاللهعليهوسلم ، ورد عليهم بأنه معجزة ظاهرة وباطنة وإن الله تعالى سماه قرآنا وكتابا وعربيا ، وإن جبريل نزل به والملهم لا يحتاج إليه.
(مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ) ـ العدو ـ للشخص ضد الصديق يستوي فيه المذكر والمؤنث والتثنية والجمع ، وقد يؤنث ويثنى ويجمع ، وهو الذي يريد إنزال المضار به ، وهذا المعنى لا يصح إلا فينا دونه تعالى فعداوة الله هنا مجاز إما عن مخالفته تعالى وعدم القيام بطاعته لما أن ذلك لازم للعداوة ، وإما عن عداوة أوليائه ، وأما عداوتهم لجبريل والرسل عليهمالسلام فصحيحة لأن الإضرار جار عليهم غاية ما في الباب أن عداوتهم لا تؤثر لعجزهم عن الأمور المؤثرة فيهم ، وصدر الكلام على الاحتمال الأخير بذكره لتفخيم شأن أولئك الأولياء حيث جعل عداوتهم عداوته تعالى ، وأفرد الملكان بالذكر تشريفا لهما وتفضيلا كأنهما من جنس آخر تنزيلا للتغاير في الوصف منزلة التغاير في الذات كقوله :
فإن تفق الأنام وأنت منهم |
|
فان «المسك» بعض دم الغزال |
وقيل : لأن اليهود ذكروهما ونزلت الآية بسببهما ، وقيل : للتنبيه على أن معاداة الواحد والكل سواء في الكفر واستجلاب العداوة من الله تعالى ، وإن من عادى أحدهم فكأنما عادى الجميع لأن الموجب لمحبتهم وعداوتهم على الحقيقة واحد وإن اختلف بحسب التوهم والاعتقاد ، ولهذا أحب اليهود ميكائيل وأبغضوا جبريل ، واستدل بعضهم بتقديم جبريل على ميكائيل على أنه أفضل منه وهو المشهور ، واستدلوا عليه أيضا بأنه ينزل بالوحي والعلم وهو مادة الأرواح ، وميكائيل بالخصب والأمطار وهي مادة الأبدان ، وغذاء الأرواح أفضل من غذاء الأشباح ، واعترض بأن التقديم في الذكر لا يدل على التفضيل إذ يحتمل أن يكون ذلك للترقي أو لنكتة أخرى كما قدمت الملائكة على الرسل وليسوا أفضل منهم عندنا ، وكذا نزوله بالوحي ليس قطعيا بالأفضلية إذ قد يوجد في المفضول ما ليس في الفاضل فلا بد في التفضيل من نص جلي واضح ، وأنا أقول بالأفضلية وليس عندي أقوى دليلا من مزيد صحبته لحبيب الحق بالاتفاق وسيد الخلق على الإطلاق صلىاللهعليهوسلم وكثرة نصرته وحبه له ولأمته ، ولا أرى شيئا يقابل ذلك وقد أثنى الله تعالى عليه عليهالسلام بما لم يثن به على ميكائيل بل ولا على إسرافيل وعزرائيل وسائر الملائكة أجمعين ، وأخرج الطبراني ـ لكن بسند ضعيف ـ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ألا أخبركم بأفضل الملائكة؟ جبرائيل» وأخرج أبو الشيخ عن موسى بن عائشة قال : «بلغني أن جبريل إمام أهل السماء» ومن شرطية والجواب ، قيل : محذوف وتقديره فهو كافر مجزي بأشد العذاب ، وقيل : فإن الله إلخ على نمط ما علمت ، وأتى باسم الله ظاهرا ولم يقل فانه عدو دفعا لانفهام غير المقصود أو التعظيم والتفخيم ، والعرب إذا فخمت شيئا كررته بالاسم الذي تقدم له ، ومنه (لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ إِنَّ اللهَ) [الحج : ٦٠]. وقوله :
لا أرى الموت يسبق الموت شيء
وأل في الكافرين للعهد وإيثار الاسمية للدلالة على التحقيق والثبات ، ووضع المظهر موضع المضمر للايذان بأن