مَأْكُولٍ) [الفيل : ٥] زيادة في الجهل ، والذي وضع موضع ـ الذين ـ إن كان ضمير (بِنُورِهِمْ) راجعا إليه وإلا فهو باق على ظاهره إذ لا ضير في تشبيه حال الجماعة بحال الواحد وجاز هنا وضع المفرد موضع الجمع ، وقد منعه الجمهور فلم يجوزوا إقامة القائم مقام القائمين لأن هذا مخالف لغيره لخصوصية اقتضته فإنه إنما وضع ليتوصل به إلى وصف المعارف بالجمل فلما لم يقصد لذاته توسعوا فيه ، ولأنه مع صلته كشيء واحد ، وعلامة الجمع لا تقع حشوا فلذا لم يلحقوها به ووضعوه لما يعم ـ كمن ، وما ، والذين ـ ليس جمعا له بل هو اسم وضع مزيدا فيه لزيادة المعنى ، وقصد التصريح بها ولذا لم يعرف بالحروف كغيره على الأفصح ، ولأن استطال بالصلة فاستحق التخفيف حتى بولغ فيه إلى أن اقتصر على اللام في نحو اسم الفاعل ، قاله القاضي وغيره ، ولا يخلو عن كدر لا سيما الوجه الأخير ، وما روي عن بعض النحاة من جواز حذف نون ـ الذين ـ ليس بالمرضي عند المحققين ، ولئن تنزل يلتزم عود ضمير الجمع إليه كما في قوله تعالى : (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا) [التوبة : ٦٩] على وجه ، وقول الشاعر :
يا رب عيسى لا تبارك في أحد |
|
في قائم منهم ولا فيمن قعد |
إلا الذي قاموا بأطراف المسد |
وإفراد الضمير لم نسمعه ممن يوثق به ولعله لأن المحذوف كالملفوظ ، فالوجه أن يقال إنه نظر إلى ما في ـ الذي ـ من معنى الجنسية العامة إذ لا شبهة في أنه لم يرد به ـ مستوقد ـ مخصوص ولا جميع أفراد المستوقدين والموصول كالمعرف باللام يجري فيه ما يجري فيه. واسم الجنس وإن كان لفظه مفردا قد يعامل معاملة الجمع ك : (عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ) [الإنسان : ٢١] وقولهم : الدينار الصفر ، والدرهم البيض ، أو يقال : إنه مقدر له موصوف مفرد اللفظ مجموع المعنى كالفوج والفريق فيحسن النظام ، ويلاحظ في ضمير ـ استوقد ـ لفظ الموصوف ، وفي ضمير (بِنُورِهِمْ) معناه ، «واستوقدوا» بمعنى أوقدوا ، فقد حكى أبو زيد أوقد واستوقد بمعنى ـ كأجاب واستجاب ـ وبه قال الأخفش ـ جعل الاستيقاد بمعنى طلب الوقود وهو سطوع النار كما فعل البيضاوي ـ محوج إلى حذف ، والمعنى حينئذ طلبوا نارا واستدعوها فأوقدوها (فَلَمَّا أَضاءَتْ) لأن الإضاءة لا تتسبب عن الطلب وإنما تتسبب عن الإيقاد والنار جوهر لطيف مضيء محرق ، واشتقاقها من نار ينور نورا إذا نفر لأن فيها ـ على ما تشاهد ـ حركة واضطرابا لطلب المركز ، وكونه من غلط الحس كأنه من غلط الحس ، نعم أورد على التعريف أن الإضاءة لا تعتبر في حقيقتها وليست شاملة ـ لما ثبت في الكتب الحكمية ـ أن النار الأصلية حيث الأثير شفافة لا لون لها وكذا يقال في الإحراق ، والجواب أن تخصيص الأسماء لأعيان الأشياء حسبما تدرك أو للمعاني الذهنية المأخوذة منها ، وأما اعتبار لوازمها وذاتياتها فوظيفة من أراد الوقوف على حقائقها وذلك خارج عن وسع أكثر الناس ، والناس يدركون من النار التي عندهم الإضاءة والإحراق ويجعلونهما أخص أوصافها ، والتعريف للمتعارف وعدم الإحراق لمانع لا يضر على أن كون النار التي تحت الفلك هادية غير محرقة وإن زعمه بعض الناس أبطله الشيخ ، واحتراق الشهب شهاب على من ينكر الإحراق ، وأغرب من هذا نفي النار التي عند الأثير ؛ وقريب منه القول بأنها ليست غير الهواء الحار جدا ، وقرأ ابن السميقع ـ كمثل الذين ـ على الجمع وهي قراءة مشكلة جدا ، وقصارى ما رأيناه في توجيهها أن إفراد الضمير على ما عهد في لسان العرب من التوهم كأنه نطق بمن ـ الذي ـ لها لفظا ومعنى كما جزم بالذي على توهم من الشرطية في قوله :
كذاك الذي يبغي على الناس ظالما |
|
تصبه على رغم عواقب ما صنع |
أو أنه اكتفى بالإفراد عن الجمع كما يكتفي بالمفرد الظاهر عنه فهو كقوله :
وبالبدو منا أسرة يحفظونها |
|
سراع إلى الداعي عظام كراكره |