وملك كبير ، قال ابن كثير : (وثبت في الصحيح أن الله تعالى يقول لآخر أهل النار خروجا منها ، وآخر أهل الجنة دخولا إليها : إن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها (عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ) قال ابن كثير : (أي : لباس أهل الجنة فيها الحرير ومنه سندس وهو رفيع الحرير كالقمصان ونحوها مما يلي أبدانهم ، والإستبرق منه ما فيه بريق ولمعان وهو مما يلي الظاهر كما هو المعهود في اللباس) (وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ) أي : جعل لهم حلية أساور من فضة ، أقول : يجمل اللباس إذا وافق مجموعة أمور ، ويحلو إذا توافرت فيه شروط ، وما يجمل في مكان وزمان وبيئة ، وما يحلو على إنسان أو يناسبه قد لا يجمل ولا يحلو في مكان أو على إنسان ، ولباس أهل الجنة وحليتهم هي في الكمال الأعلى بما يناسب مجموع ما في الجنة ، وبما يتناسب مع الذوقية العامة فيها ، كيف لا يكون ذلك وليس في الجنة إلا الكمال؟! ثم قال تعالى : (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ) قال النسفي : أضيف إليه تعالى للتشريف والتخصيص (شَراباً طَهُوراً) قال ابن كثير : (أي : طهر بواطنهم من الحسد والحقد والغل والأذى وسائر الأخلاق الرديئة كما روينا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : «إذا انتهى أهل الجنة إلى باب الجنة وجدوا هناك عينين ، فكأنما ألهموا ذلك ، فشربوا من إحداهما ، فأذهب الله ما في بطونهم من أذى ، ثم اغتسلوا من الأخرى فجرت عليهم نضرة النعيم ، فأخبر سبحانه وتعالى بحالهم الظاهر وجمالهم الباطن) ، وفهم النسفي أن الآية يراد بها التذكير بالفارق بين خمر الدنيا النجسة ، وخمر الآخرة الطهور ، ليعلم أن خمر الآخرة تختلف عن خمر الدنيا ، ثم قال تعالى : (إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً) قال النسفي : أي : محمودا مقبولا مرضيا عندنا حيث قلتم للمسكين واليتيم والأسير (لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً) أقول : السعي المشكور في الآية أعم من أن يكون المراد به هذا وحده ، إذ يدخل فيه العمل الصالح كله ، قال ابن كثير في الآية : أي : يقال لهم ذلك تكريما لهم وإحسانا إليهم.
كلمة في السياق :
بدأت الفقرة الأولى من السورة بالحديث عن هداية الإنسان فقالت : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) وتحدثت مباشرة عن جزاء الكافرين وجزاء الشاكرين ، ثم تأتي الفقرة الثانية لتحدثنا عن طريق الهداية بعد أن فصلت الفقرة الأولى