تفسير المجموعة الثانية من الفقرة الأولى :
(فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) المراد بهذه النفخة النفخة الأولى ، وهي التي يموت بها الناس. قال ابن كثير : وقد أكدها ههنا بأنها واحدة لأن أمر الله لا يخالف ولا يمانع ، ولا يحتاج إلى تكرار ولا تأكيد (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً) أي : دكتا حتى ترجع الجبال كثيبا مهيلا ، وهباء منبثا ، قال ابن كثير : أي : فمدت مد الأديم العكاظي وتبدلت الأرض غير الأرض (فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) أي : قامت القيامة ، أو نزلت النازلة ، (وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ) قال النسفي : أي : مسترخية ساقطة القوة بعد ما كانت محكمة (وَالْمَلَكُ) أي : جثت الملائكة (عَلى أَرْجائِها) قال ابن كثير : أي : على أرجاء السماء ، قال ابن عباس : على ما لم يه منها أي : حافاتها ، وقال النسفي : أي : جوانبها لأنها إذا انشقت وهي مسكن الملائكة فيلجئون إلى أطرافها (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ) أي : فوق الملائكة الموجودين على الأرجاء (يَوْمَئِذٍ) أي : يوم القيامة (ثَمانِيَةٌ) أي : ثمانية ملائكة أو ثمانية أصناف ، أو ثمانية صفوف ، والقول الأقوى أنهم ثمانية ملائكة. قال النسفي : (اليوم تحمله أربعة وزيدت أربعة أخرى يوم القيامة) (يَوْمَئِذٍ) أي : يوم القيامة (تُعْرَضُونَ) أي : للحساب والسؤال (لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ) أي : سريرة وحال كانت تخفى على الخلق في الدنيا. قال ابن كثير : أي : تعرضون على عالم السر والنجوى الذي لا يخفى عليه شىء من أموركم ، بل هو عالم بالظواهر والسرائر والضمائر (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ) سرورا به لما يرى فيه من الخيرات خطابا لجماعته (هاؤُمُ) أي : خذوا (اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) قال ابن كثير : لأنه يعلم أن الذي فيه خير ، وحسنات محضة لأنه ممن بدل الله سيئاته حسنات (إِنِّي ظَنَنْتُ) أي : علمت وتيقنت (أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) قال ابن كثير : أي : قد كنت مؤمنا في الدنيا أن هذا اليوم كائن لا محالة. قال النسفي : (وإنما أجرى الظن مجرى العلم لأن الظن الغالب يقوم مقام العلم في العادات والأحكام ، ولأن ما يدرك بالاجتهاد قلما يخلو عن الوسواس والخواطر ، وهي تفضي إلى الظنون ، فجاز إطلاق لفظ الظن عليها لما لا يخلوا عنه). أقول : يفهم من كلام النسفي أن استعمال الظن بمعنى العلم في الآية ، لأن كثيرا من أعمال الآخرة مبناها على غلبة الظن لكثير من الأحكام الفقهية والفرعيات ، ومعنى (مُلاقٍ حِسابِيَهْ) أي :