معاين حسابي (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) أي : ذات رضا يرضى بها صاحبها ، أي : مرضية (فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) أي : رفيعة قصورها ، حسان حورها ، مقيمة دورها ، دائم حبورها ، قال النسفي : أي : رفيعة المكان ، أو رفيعة الدرجات ، أو رفيعة المباني والقصور (قُطُوفُها دانِيَةٌ) أي : ثمارها قريبة من مريدها ينالها القائم والقاعد والمتكىء (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً) أي : أكلا وشربا هنيئا لا مكروه فيهما ولا أذى (بِما أَسْلَفْتُمْ) أي : بما قدمتم من الأعمال الصالحة (فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ) أي : الأيام الماضية من أيام الدنيا (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ) وهم الأشقياء الكفرة الفجرة (فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ) لما يرى فيه من الفضائح (وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ) أي : يا ليتني لم أعلم ما حسابي (يا لَيْتَها) أي : يا ليت الموتة التي متها (كانَتِ الْقاضِيَةَ) أي : القاطعة لأجلي فلم أبعث بعدها ، ولم ألق ما ألقى (ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ) أي : لم ينفعني ما جمعته في الدنيا (هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ) قال الألوسي : أي : بطلت حجتي التي كنت أحتج بها في الدنيا ... أو ملكي وتسلطي على الناس ، وبقيت فقيرا ذليلا ، أو تسلطي على القوى والآلات التي خلقت لي فعجزت عن استعمالها في الطاعات يقول ذلك تحسرا وتأسفا. قال ابن كثير : أي : لم يدفع عني مالي ولا جاهي عذاب الله وبأسه ، بل خلص الأمر إلي وحدي ، فلا معين لي ولا مجير ، فعندها يقول الله عزوجل أي : لخزنة جهنم (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ) أي : اجمعوا يديه إلى عنقه (ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ) أي : أدخلوه. قال النسفي : يعني : ثم لا تصلوه إلا الجحيم وهي النار العظمى. قال ابن كثير : أي : يأمر الزبانية أن تأخذه عنفا من المحشر فتغله ، أي : تضع الأغلال في عنقه ثم تورده إلى جهنم فتصليه إياها ، أي : تغمره فيها (ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها) أي : طولها (سَبْعُونَ ذِراعاً) قال النسفي : بذراع الملك ، عن ابن جريج : وقيل لا يعرف قدرها إلا الله (فَاسْلُكُوهُ) أي : فأدخلوه. قال ابن كثير : (وقال ابن جرير : قال ابن عباس : تدخل في أسته ثم تخرج من فيه ، ثم ينظمون فيها كما ينظم الجراد في العود حين يشوى ، وقال العوفي عن ابن عباس : يسلك في دبره حتى يخرج من منخريه حتى لا يقوم على رجليه) ثم علل تعالى لاستحقاقه هذا العذاب الشديد فقال : (إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ* وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) أي : على بذل طعام المسكين. قال ابن كثير : أي : لا يقوم بحق الله عليه من طاعته وعبادته ، ولا ينفع خلقه ويؤدي حقهم ، فإن الله على العباد أن يوحدوه ولا يشركوا به شيئا ، وللعباد بعضهم على بعض حق الإحسان