المخاطب (فِيها) أي : في مهاب الريح أو في الأيام والليالي (صَرْعى) أي : هلكى (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ) أي : أصول (نَخْلٍ خاوِيَةٍ) أي : ساقطة أو بالية (فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ) أي : من نفس باقية أو من بقاء. قال ابن كثير : أي : هل تحس منهم من أحد من بقاياهم ، أو ممن ينتسب إليهم؟ بل بادوا عن آخرهم ولم يجعل الله لهم خلفا (وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ) أي : ومن تقدمه من الأمم (وَالْمُؤْتَفِكاتُ) قال النسفي : (أي : قرى قوم لوط فهي ائتفكت أي : انقلبت بهم) ، وقال ابن كثير : هم الأمم المكذبون بالرسل (بِالْخاطِئَةِ) أي : بالخطأ أو بالفعلة الخاطئة ، أو بالأفعال ذات الخطأ العظيم (فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ) أي : فعصى قوم لوط رسول ربهم ، أو فعصت كل أمة من الأمم المذكورة رسول ربها (فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً) أي : شديدة زائدة في الشدة ، كما زادت قبائحهم في القبح (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ) أي : زاد على الحد بإذن الله يوم طوفان نوح (حَمَلْناكُمْ) أيها البشر أي : حملنا آباءكم (فِي الْجارِيَةِ) أي : في سفينة نوح عليهالسلام(لِنَجْعَلَها لَكُمْ) أي : لنجعل لكم تلك الفعلة وهي إنجاء المؤمنين وإغراق الكافرين (تَذْكِرَةً) أي : عبرة وعظة ، (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) أي : وتفهم هذه النعمة وتذكرها أذن واعية ، أي : حافظة سامعة ، أي : يحفظها ويفهمها كل من له سمع صحيح ، وعقل رجيح. قال ابن كثير : (وهذا عام في كل من فهم ووعي).
كلمة في السياق :
بدأت السورة بذكر الحاقة ، وتفخيم أمرها من خلال سؤالين عنها ، ثم جاءت مجموعة تحدثت عن قوم عاد وثمود ، وفرعون وقومه ، وقوم لوط ، وقوم نوح كأمم كذبت باليوم الآخر الذي سيأتي حديث عنه في المجموعة الثانية ، وهي المجموعة التي ستذكر الجواب على السؤال عن الحاقة ، وبهذا تكون المجموعة الأولى من الفقرة الأولى بمثابة التمهيد قبل التفصيل في أمر الحاقة ، فقد جاءت المجموعة الأولى لتبين عاقبة من يكذب بالحاقة لتتلقى النفس البشرية البيان وهي عارفة عقوبة من يكذب بها. كانت مقدمة السورة (الْحَاقَّةُ* مَا الْحَاقَّةُ* وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ)؟ وفي المجموعة الثانية تفصيل الحديث عن الحاقة : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ ...) وجاءت المجموعة الأولى في الوسط إنذارا ووعظا وتذكيرا.