شعوره بتكاليف هذه الأمانة شعورا يدفعه إلى صدق النية في الجهاد لإظهار دينه على الدين كله ـ كما أراد الله ـ وعدم التردد بين القول والفعل ، ويقبح أن يعلن المؤمن الرغبة في الجهاد ثم ينكص عنه ، كما يبدو أنه حدث من فريق من المسلمين كما تذكر الروايات).
كلمة في سورة الصف ومحورها :
في مقدمة سورة البقرة كلام عن الاهتداء بكتاب الله من قبل المؤمنين بالغيب المقيمين للصلاة ، المنفقين في سبيل الله ، وكلام عن هؤلاء أنهم مفلحون ، وكلام عن الكافرين أن لهم عذابا عظيما ، وأن الله قد ختم على قلوبهم ، وكلام عن المنافقين ، وخسار تجارتهم (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ). وفي سورة الصف يدلنا الله عزوجل على التجارة الرابحة المنجية عنده ، وهي الإيمان بالله والرسول والجهاد ؛ مما يشير إلى أن الجهاد في سبيل الله هو أحد ما ينبغي الاهتداء به من كتاب الله ليحقق المسلم فلاحه وتقواه وتربح تجارته ، فالإيمان العملي ينبثق عنه جهاد للكافرين ، ومن ثم تبدأ السورة بالإنكار على من لا يتجاوز الإيمان عنده حدود الأقوال إلى الأفعال ، مبينة أن الفعل هو المظهر الصحيح للإيمان وبالخصوص الجهاد المنظم في سبيل الله. ثم تذكر السورة مبررات هذا الجهاد من فسوق من فسق ، وجرأة من تجرأ ، وظلم من ظلم ، وإرادة الله في نصرة دينه ، ثم تدعو السورة إلى الإيمان بالله والرسول والجهاد ، وإلى نصرة الله ورسوله صلىاللهعليهوسلم.
في مقدمة سورة البقرة كلام عن المتقين والكافرين والمنافقين ، وفي سورة الصف بيان لوجوب الصراع بين المتقين والكافرين ، وإنكار على من لا يتحول عنده الإيمان إلى جهاد ، وفي السورة تحديد لطريق الربح ، وبالتالي ففيها بيان لطريق الخسارة الذي يحمل لواءه المنافقون الذين لا يتحول الإيمان عندهم إلى شىء إيجابي ، والذين سنأخذ صورة مفصلة عنهم في السورة الثالثة من هذه المجموعة.
تتألف سورة الصف من مقدمة هي آية واحدة ، وثلاث فقرات ، كل فقرة مبدوءة بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ...) ولنبدأ عرض السورة.