بين يدي سورة الصف :
قدم الألوسي لتفسير هذه السورة بقوله : (وتسمى أيضا سورة الحواريين ، وسورة عيسى عليهالسلام ، وهي مدنية في قول الجمهور ، وروي ذلك عن ابن الزبير ، وابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، وعكرمة ، ومجاهد ، وقال ابن يسار : مكية ، وروي ذلك عن ابن عباس ، ومجاهد أيضا ، والمختار الأول ، ويدل له ما أخرجه الحاكم. وغيره عن عبد الله بن سلام قال : قعدنا نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فتذاكرنا فقلنا : لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله تعالى لعملناه فأنزل الله سبحانه : (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) قال عبد الله : فقرأها علينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حتى ختمها ، وروي هذا الحديث مسلسلا يقرأها علينا ، وهو حديث صحيح على شرط الشيخين أخرجه الإمام أحمد ، والترمذي ، وخلق كثير حتى قال الحافظ ابن حجر : إنه أصح مسلسل يروى في الدنيا إن وقع في المسلسلات مثله في مزيد علوه ، وكذا ما روي في سبب النزول عن الضحاك من أنه قول شباب من المسلمين : فعلنا في الغزو كذا ولم يفعلوا ، وما روي عن ابن زيد من أنه قول المنافقين للمؤمنين : نحن منكم ومعكم ثم يظهر من أفعالهم خلاف ذلك. وآيها أربع عشرة آية بلا خلاف ، ومناسبتها لما قبلها اشتمالها على الحث على الجهاد والترغيب فيه ، وفي ذلك من تأكيد النهي عن اتخاذ الكفار أولياء الذي تضمنه ما قبل ما فيه).
ومن تقديم صاحب الظلال لهذه السورة نقتطف ما يلي : (هذه السورة تستهدف أمرين أساسيين واضحين في سياقها كل الوضوح ، إلى جانب الإشارات والتلميحات الفرعية التي يمكن إرجاعها إلى ذينك الأمرين الأساسيين :
تستهدف أولا أن تقرر في ضمير المسلم أن دينه هو المنهج الإلهي للبشرية في صورته الأخيرة ، وسبقته صور منه تناسب أطوارا معينة في تاريخ البشرية ، وسبقته تجارب في حياة الرسل وحياة الجماعات ، تمهد كلها لهذه الصورة الأخيرة من الدين الواحد ، الذي أراد الله أن يكون خاتمة الرسالات ، وأن يظهره على الدين كله في الأرض.
هذا الهدف الأول الواضح في السورة يقوم عليه الهدف الثاني. فإن شعور المسلم بهذه الحقيقة ، وإدراكه لقصة العقيدة ، ولنصيبه هو من أمانتها في الأرض ... يستتبع