فإن وجدتم أو عرفتم منهم حسن التصرف في المال بعد اختبارهم فيجب عليكم أيها الأولياء تسليم أموالهم إليهم (وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً) الإسراف هنا وضع الشيء في غير موضعه. والمعنى : أيها الأولياء لا تأكلوا من أموال اليتامى التي لكم ولاية التصرف فيها بأكثر مما تحتاجون إليه ولا تفرطوا في دفعها إليهم عند بلوغهم راشدين ماليا. ولا تبادروا إلى أكلها حذرا من أن يكبروا فيطالبوكم بها. (وَبِداراً) أي مبادرة إلى أكل أموال اليتامى قبل (أَنْ يَكْبَرُوا) يبلغوا ويصبحوا راشدين. (وَمَنْ كانَ غَنِيًّا) من الأولياء بماله عن مال اليتيم (فَلْيَسْتَعْفِفْ) بأن يأكل من ماله ويترك مال اليتيم. (وَمَنْ كانَ فَقِيراً) لا مال له (فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) أي يأخذ من مال اليتيم بمقدار الحاجة (فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) أي إذا أعطيتموهم أموالهم بعد حصول الشرطين المذكورين آنفا (فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ) ادفعوها إليهم أمام شهود يشهدون بأنهم تسلّموها ، دفعا للتهمة فيما بعد ، (وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) أي محاسبا وقيل : شاهدا على دفعها أو عدمه.
٧ ـ (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ ...) نصيب : أي حظ وسهم من تركة الوالدين والأقربين. (وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) وكذلك للنساء حقّ من تركة والديهنّ وأقربائهنّ. (مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ) أي من قليل التركة أو كثيرها. (نَصِيباً مَفْرُوضاً) أي سهما وحظا فرض تسليمه إلى مستحقيه.
٨ ـ (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ ...) أي إذا شهد قسمة التركة (أُولُوا الْقُرْبى) أي قرابة الميت الفقراء (وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ) أي حضر القسمة أيضا يتاماهم ومساكينهم الذين يرجون أن تعطوهم شيئا (فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) أي أعطوهم من تركة الميّت قبل تقسيمها بين الورثة. (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) لعل هو الدعاء لهم بالرزق واليسار ، والاعتذار إليهم.
٩ ـ (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً ...) وليخف الله من يترك بعد موته أولادا صغارا أو كبارا ضعيفي العقل أو مرضى مزمنين فليقدّر لهم نصيبهم من ماله ولا يوصي به في وجوه أخرى ويتركهم عالة يتكففون الناس الضّعفاء عن أيديهم وبآرائهم التي قد لا يرضاها الله سبحانه وتعالى. وقد اختار هذا المعنى ابن عباس وجماعة كسعيد بن جبير وقتادة وأمثالهما من مشاهير العامة. فينبغي للمتوفين الذين يتركون ذرّية ضعافا (خافُوا عَلَيْهِمْ) الضياع والفقر من بعدهم ، (فَلْيَتَّقُوا اللهَ) فليخافوه حين الوصية ممّا زاد عن الثلث لأنفسهم ، (وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) أي صوابا عدلا موافقا للشرع والحق.
١٠ ـ (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً ...) أي أن من يأكل أموال اليتامى كلّا أو بعضا وليا كان أو غيره بغير سبب شرعي مسوّغ (إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً) أي أنهم يأكلون في بطونهم شيئا يجرّهم إلى النار. (فِي بُطُونِهِمْ ناراً) أي أنهم يأكلون في بطونهم شيئا يجرّهم إلى النار. (وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) أي سيدخلون النار المسعّرة وهي المحماة إلى أقصى الدرجات ليحترقوا فيها.
١١ ـ (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ ...) أي يأمركم الله ويفرض عليكم في إرث أولادكم منكم. (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) أي للابن من الميراث مثل نصيب البنتين حال الاجتماع. (فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ) أي المولودات للوارث حال كونهن منفردات ولا ذكور وكن اثنتين فما فوق فلهن من التركة ثلثاها بالفرض. يقتسمنه وتقتسمانه بالتساوي. (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) أي لو ترك الميت بنتا واحدة له منفردة عن الذكور فلها نصف التركة بالفرض (وَلِأَبَوَيْهِ) أي لوالدي الميت المباشرين (لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ) كل من والد الميت ووالدته يأخذ سدس التركة بالفرض (إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ) أي إذا كان للميّت ولد وإن نزل ، أو تعدد ذكرا كان أو أنثى. (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ ، وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) أي فإن مات ولم يخلف ابنا ولا بنتا ولا أحدا من الحفدة وكان أبواه حيين فلأمه ثلث التركة والباقي للأب. بعد فرض الزوجة أو الزوج لو وجد طبعا .. (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ) أي أنه كان للميّت إخوة (فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) أي كما أن الولد يحجب الأم عن الثلث إلى السدس ، فكذلك إخوة الميّت يحجبون أمّه عن الثلث إلى السدس إذا كان هناك أبّ. وكل ذلك مما ذكرناه في السهام