والرد (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها ، أَوْ دَيْنٍ) فعبارة : من بعد ، متعلقة بجميع ما تقدّم من قسمة المواريث إلى تلك الحصص الخاصة بالورثة وكلمة. أو هي للإباحة فتفيد تساويهما في وجوب التقديم على القسمة انفرادا أو اجتماعا. ولا فرق بين أن يكون حقا لله أو للناس (آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً) أي أنتم لا تعلمون من من الآباء أو الأمهات أو الأولاد يكون أقرب نفعا لكم بعد مماتكم أو في حياتكم ، ولذلك فالتزموا بما فرضناه (فَرِيضَةً مِنَ اللهِ) أوجبها وعيّنها بحكمته. (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) عارفا بمصالحكم حكيما فيما دبّره لكم.
١٢ ـ (وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ ...) أي ولكم أيها الأزواج نصف تركة زوجاتكم (إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ) بحيث لم يلدن لا ذكرا ولا أنثى وإن نزل ، منكم أو من زوج آخر قبلكم ... (فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ) من الميراث من سائر تركتهن (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ) مرّ شرحه (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ) ولو كان الولد من غيرهنّ فإنه يحجب عنهنّ الرّبع (فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ) منهنّ أو من سواهنّ (فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ) واحدة كانت أو أكثر فيقسم الفرض ربعا كان أو ثمنا عليهن بالسوية (وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ) اختلف في معنى الكلالة ، فقيل هي الإخوة والأخوات من طرف الأم ، وقيل هي الوارث غير الوالد والولد ، وقيل غير ذلك. وحاصل المعنى أن الرجل إذا مات ولم يكن له وارث غير كلالة ، وكذلك المرأة بناء على أنها معطوفة على الرجل (وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ) أي من الأم ، ويؤيده الإجماع والأخبار. (فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) ممّا ترك الميّت من غير وارث سواهما (فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ) يستوي الذكر والأنثى في القسمة لإجماع الأمة على ذلك. وهو أن الأخوة والأخوات من طرف الأم متساوون في الميراث. (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ) أي حال كون الدين غير مضارّ بورثته بالزيادة على الثلث ، أو بالنقيصة في حقهم في الوصية ، كالإيصاء بدين لا يلزمه قصدا للإضرار على الورثة لا قصدا للقربة ... (وَصِيَّةً مِنَ اللهِ) أمرا واجب الاتباع من الله وقد صرّح سبحانه بأنها من الله تأكيدا عليها من جهة ، وتعظيما لشأنها وتحذيرا من مخالفتها من جهة ثانية. (وَاللهُ عَلِيمٌ) بالمطيع وبالعاصي (حَلِيمٌ) لا يعاجل في عقوبة العاصين بل يؤخرها فاسحا المجال للتوبة والاستغفار لتشملهم رحمته التي وسعت كل شيء.
١٣ ـ (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ ...) أي أن هذه الأحكام المزبورة في اليتامى والوصايا والمواريث هي حدود شرعها الله لكم ، وسنّها لمصالحكم. ممنوع عليكم تجاوزها ... (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ) أي يعمل طبق ما أمر به سبحانه وبلّغه رسوله للناس ، فلا يتعدى ما وضعه من أحكام (يُدْخِلْهُ) الله (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) مرّ تفسيرها في سورة البقرة (وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) أي النجاح الكبير والظفر العظيم برضى الله ونعيمه ، ولنجاته من المهالك يوم القيامة.
١٤ ـ (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ ...) أي يخالف أمر الله وأمر رسوله الذي جاء به عن ربه (وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ) ويخرج على أحكامه وشرائعه التي أمر بالالتزام بها. (يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها) يؤويه إلى النار دائما فيها فلا يموت فيها فيقضى عليه ولا يحيا فيها حياة يحس معها بالراحة. (وَلَهُ) فيها (عَذابٌ مُهِينٌ) أي عذاب ترافقه إهانة وحقارة واستهزاء تزيد كلها في عذابه النفسي والجسدي.