سورة الفجر
مكية ، عدد آياتها ٣٠ آية
١ ـ ١٤ ـ (وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ ...) هذا قسم منه سبحانه بالفجر الذي هو انفجار الصبح في كلّ نهار ، وقيل هو فجر ذي الحجة خاصة لأنه ذكر بعده الليالي العشر ، وقيل هو فجر المحرّم لأنه تتجدد عنده السنة ، وقيل غير ذلك. والقسم بالفجر يدل على عظمة مفجّره بقدرته حيث قدّر دوران الأرض ومنازل الشمس وإيلاج الليل في النهار والنهار في الليل. أما ذكر الليالي العشر والقسم بها ، فذلك لأنها أيام الحج التي شرّفها الله ورغّب الناس فيها بالعمل الصالح. وفي قول أنها العشر الأواخر من شهر رمضان ، ميقات موسى (ع) ، والأول أقرب للمعقول. ثم عطف على قسمه سبحانه قوله : (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) أي الزوج والفرد من العدد. وقيل إن ذلك لما في الحساب من النفع للناس. وقيل هي كل ما خلقه الله تعالى لأن جميع الأشياء إما زوج وإما فرد. (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) أي إذا سار وأدبر ومضى بظلامه ، فإن سيره ذاك ، المرتّب من لدن خالق عظيم مدبّر ، يدل على عظمة خالقه ومدبّره على تلك الحال. (هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ؟) أي هل في ذكر هذه الأيمان التي أقسم بها سبحانه يمين تقنع صاحب العقل؟ وتدله على وحدانية موجدها وعلى عظمة صنعه وبديع تدبيره وحكمته. (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ) هذه الحكاية اعتراض بين القسم المذكور وجوابه الذي لم يأت بعد. وهي خطاب للنبيّ (ص) وتنبيه للكفرة على ما جرى لمن سبقهم لمّا كفروا بالله وبأنبيائه وكتبه كعاد قوم هود (إِرَمَ) قالوا هو اسم قبيلة من قوم عاد كان فيها الملك فقد كان (عادان) وإرم هي عاد الأولى ، وقيل هو جدّ عاد المعروف بعاد بن عوص بن إرم إلخ ... وقيل هو اسم بلد هي دمشق (ذاتِ الْعِمادِ) العماد جمعه عمد وهو ما تبنى به الأبنية والقصور ، ويستعمل في الشّرف فيقال : فلان رفيع العماد ، وقيل معناه ذات الطول والشدة ، وقيل إنهم كانوا طوال القامات فقال سبحانه في وصفهم (الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ) أي لم يخلق مثل تلك القبيلة في الطول والقوة وعمارة الأجسام ، وهم الذين قالوا : من أشدّ منّا قوة ، والأصح أن ذات العماد : ذات الأبنية العالية القائمة على الأعمدة القوية ، التي لم يخلق مثل أعمدتها وأبنيتها في جميع البلاد (وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ) أي ألم تر كيف فعل ربّك بثمود؟ وهذا عطف على سابقه. فثمود هم الذين قطعوا الصخر في الوادي الذي كانوا يسكنونها وهي وادي القرى. أو كانوا ينحتون من الجبال بيوتا. (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ) أي فرعون موسى ، صاحب الجنود الذين كانوا يشيدون ملكه ويقوّون سلطانه وقد دعاهم سبحانه ، أوتادا. وقيل : إنه كان يعذّب أعداءه بأربعة أوتاد يشدّهم فيها باليدين والرّجلين ثم يتركهم مشدودين حتى يموتوا. (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ) أي تجبّروا وعصوا أنبياء الله (فَأَكْثَرُوا فِيهَا) أي في البلاد (الْفَسادَ) أي القتل والمعاصي على اختلافها (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ) أي فجعل السوط الذي ضربهم فيه وأهلكهم عذاب الإهلاك في الدنيا قبل الآخرة. (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) أي أنه يترصد عباده ولا يفوته شيء ممّا هم فيه لأنه سامع ناظر إلى سائر أحوالهم. وقيل : إن قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) هو جواب القسم. وقيل : هو محذوف تقديره : ليقبضنّ ربك على كل ظالم.
١٥ ـ ٣٠ ـ (فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ ...) أي إذا امتحنه واختبره (فَأَكْرَمَهُ) بأن أعطاه النّعم الكثيرة (وَنَعَّمَهُ) جعل عيشه رغيدا بما أفاض عليه تلك النعم (فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ) أي أنه يسرّ بذلك ويقول إن ربّي وهبني ذلك كلّه لكرامتي عنده (وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ) بالحاجة أو الفقر التام (فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) يعني فضيقه عليه (فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ) أي أنه يظن بينه وبين نفسه أنه ليس في محل كرامة من الله تعالى (كَلَّا) أي : ليس كما ظنّ هذا ولا كما ظنّ ذاك ، فإنني لا أعطي الإنسان لكرامته عندي ، ولا أحرمه لهوانه عليّ ، ولكني أعطي من أشاء وأمنع عمّن أشاء بحسب حكمتي (بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) أي الولد الذي لا أب له فإنكم لا تعطونه ممّا وهبكم الله (وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) أي لا تحثون على إطعامه ولا تتواصون بالصدقة عليه. (وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ) أي