١٦ ـ (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا) أي تختارونها على الآخرة وتفضّلونها عليها (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى) أي والدار الآخرة ، يعني الجنة. أفضل من الدنيا وأدوم. (إِنَّ هذا) الذي ذكر في هذه الآيات (لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى) أي مذكور في الصحف السابقة التي أنزلت على الرّسل قبل القرآن (صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) والصّحف : جمع صحيفة ، وهو الأوراق المكتوبة التي تكون بين دفّتين ، أي الكتاب ، وقد ذكر هنا إبراهيم وموسى (ع) كمثل على الأنبياء الذين أوتوا صحفا ونزلت عليهم كتب.
سورة الغاشية
مكية ، عدد آياتها ٢٦ آية
١ ـ ١٦ ـ (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ ...) هذا استفهام أراد به سبحانه التقرير ، أي قد جاءك يا محمد خبر يوم القيامة التي تغشى الناس فتجلّلهم بأهوالها ومخاوفها. وقيل هي النار التي تغشى وجوه الكفار بالعذاب (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ) أي في ذلك اليوم تكون وجوه ذليلة بالعذاب الذي ينزل بها (عامِلَةٌ ناصِبَةٌ) يعني أنها عاملة في الدنيا بالمعاصي ، متعبة في النار بمعالجة لهبها وسلاسلها (تَصْلى ناراً حامِيَةً) أي تتلظّى وتلزم الاحتراق في نار قد بلغت حرارتها الغاية (تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) أي يكون شرابها من عين وقد بلغت النهاية في الشدّة والحرارة (لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) الضريع : نبت شائك تأكله الإبل وهو يضرّ ولا ينفع ، وإذا يبس فهو أخبث طعام لا ترعاه دابّة من الدواب. (لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) فهو لا يردّ جوعا ولا يأتي بسمنة ... (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ) أي وفي ذلك اليوم تكون وجوه المؤمنين منعّمة في أنواع الملذّات قد ظهر عليها أثر النّعم الكثيرة فهي مسرورة مشرقة (لِسَعْيِها راضِيَةٌ) أي أنها راضية عن عملها للطاعات في الدنيا الذي أدّى بها إلى الجنّة. (فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) أي في جنّة مرتفعة القصور ، عالية الدرجات. (لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً) أي لا تسمع في الجنّة كلمة لغو لا فائدة منها (فِيها) أي في الجنّة (عَيْنٌ جارِيَةٌ) عبّر هنا سبحانه عن الجنس إذ لكل إنسان في قصره عين جارية من كل نوع من أنواع الشراب الذي يرغب فيه. (فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ) أي في الجنة سرر عالية ما لم يجيء أهلها إليها ، فإذا قصدوها تواضعت لهم (وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ) أي كؤوس موضوعة على حافات العيون وجوانبها إذا أراد المؤمن الشرب منها وجدها مملوءة. (وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ) أي : وفيها ووسائد مرتبة بعضها إلى جانب بعض (وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ) يعني : وبسط فاخرة ، وطنافس مبسوطة وموزّعة هنا وهناك.
١٧ ـ ٢٦ ـ (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ...) ضرب الله تعالى لهم مثلا بخلق الإبل ... أي الجمال ـ لأنها كانت وسيلة عيش لهم. أي ألا يتفكرون ويعتبرون بخلق الإبل وما جعل فيها من منافع إذ يخرج من ضروعها اللبن الصافي من بين الفرث والدم ، وقد ركّب الله فيها من عجيب الخلق وعظم إيهامه ثم ذلّلها للصغير والكبير وسخّرها لمنافع الناس (وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ) أي : أفلا ينظرون كيف رفع الله تعالى السماء فوقهم بلا عمد ، وبث فيها الشمس والقمر والنجوم لمنافعهم (وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ) أي كيف جعلت أوتادا تثبت بها الأرض من أن تميد بأهلها (وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) أي كيف بسطها سبحانه وجعلها واسعة يمشون فيها ولولا ذلك لما استطاعوا الاستقرار على ظهرها. (فَذَكِّرْ) يا محمد الناس فإن التذكير هو طريق العلم وسبيل المعرفة (إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ) تذكّرهم بعظمة الله وبنعمه الوفيرة ، وتنبّههم إلى ما يجب عليهم من التوحيد والشكر والعبادة لربّهم (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) أي لست متسلطا عليهم تسلّطا يجعلك حقيقا بإجبارهم على الإيمان (إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ) أي سوى من انصرف عن تذكيرك ودعوتك فكأنك لست مذكّرا له لأنه لا يقبل منك ، فدع أمره إلى الله (فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ) أي يتولى إدخاله في جهنم والخلود فيها (إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ) أي إن مرجعهم بعد الموت إلينا (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ) أي محاسبتهم لإثابتهم أو مجازاتهم.