الميراث الذي يتركه الميّت ، وقيل هو هنا أموال اليتامى (أَكْلاً لَمًّا) أي أكلا تلمّون به جميعا بحيث تأخذون نصيبكم ونصيب غيركم (وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا) أي شديدا ولا تنفقون زكاته ولا تتصدّقون منه تطوعا. (كَلَّا) أي لا يكون الأمر كذلك ولو فعلتموه. و (كَلَّا) كلمة زجر معناه : لا ، لا تفعلوا هكذا ، (إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا) أي إذا زلزلت وانخسفت وتهدّم كل ما عليها ، وقيل إذا دقّت جبالها واسترى أديمها (وَجاءَ رَبُّكَ) أي جاء أمر ربّك وحكمه وقضاؤه في يوم القيامة (وَالْمَلَكُ) وكان الملائكة حينئذ (صَفًّا صَفًّا) حيث يكون أهل كل السماء صفّا وحده كما عن عطاء. (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) يعني كشف عنها وأحضرت لمعاقبة من يستحقونها فيرى أهل الموقف جميعا أهوالها. (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ) أي يوم يجاء بجهنم يتّعظ الإنسان الكافر ويعتبر (وَ) لكن (أَنَّى لَهُ الذِّكْرى) أي ومن أين له أن ينفعه التذكّر والاعتبار وقد كان ينبغي له أن يتذكّر ويعتبر في دار الدنيا. (يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي) أي يتمنّى لو أنه عمل بالطاعات وفعل الصالحات لحياته الحقيقية الأبديّة. (فَيَوْمَئِذٍ) أي يوم القيامة (لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ) أي لا يعذب عذاب الله سبحانه أحد من المخلوقين (وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ) أي لا يكبّل الكفار بسلاسل النار كما يكبلهم ملائكة العذاب (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) أي الآمنة المؤمنة المصدّقة بالثواب التي اطمأنّت إلى حسن عاقبتها (ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ) عودي إلى رحمة ربّك وثوابه (راضِيَةً) بذلك الأجر العظيم (مَرْضِيَّةً) أعمالك عند ربّك (فَادْخُلِي فِي عِبادِي) كوني في زمرتهم (وَادْخُلِي جَنَّتِي) التي وعدت بها عبادي الصالحين.
سورة البلد
مكية ، عدد آياتها ٢٠ آية
١ ـ ٥ ـ (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ ...) تقدّم أن هذا معناه : أقسم بهذا البلد ، وأن (لا) زائدة. أما (الْبَلَدِ) فهي مكة يعني أحلف ببلدك يا محمد (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ) أي مقيم فيه ، فكأنّه قسم قد وقع من أجل حلوله (ص) به (وَوالِدٍ وَما وَلَدَ) وعنى بذلك آدم (ع) وذرّيته من الأنبياء والأوصياء وأتباعهم. وقيل عنى بذلك إبراهيم (ع) وأولاده لأنه هو الذي بنى البيت الحرام (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ) أي خلقناه في تعب ونصب وشدة جرّاء القيام بالأمر والنهي في مجال العبادات الشاقة وسائر الطاعات والواجبات (أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ) أي هل يزعم الإنسان أنه لا يقدر على عقابه والاقتصاص منه أحد إذا أمعن في المعاصي وارتكاب الآثام؟ وهذا الاستفهام إنكاريّ.
٦ ـ ١٦ ـ (يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً ...) أي كثيرا ، وفي هذه الآية يحكي سبحانه مقولة هذا الإنسان الذي كان عدوّا للنبيّ (ص) وهو يقول : قيل هو الحرث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف الذي أذنب ذنبا وسأل النبيّ (ص) عن ذلك فأمره أن يكفّر ، فقال : لقد ذهب مالي في الكفّارات والنفقات منذ دخلت في دين محمد (أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ) فيسأله كيف اكتسب هذا المال وفيم أنفقه ، وقيل كان كاذبا في دعواه. (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ) ينظر بهما عظمة المخلوقات الدالّة على عظمة الخالق (وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ) ينطق بواسطة الكل ويشكر الكل ويشكر خالقه ورازقه (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) أي دللناه على سبيل الخير وسبيل الشر (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) أي فلم يتجاوز هذا الإنسان الطريق الصعبة وهي مجاهدة النفس ومخالفة الشيطان للوصول إلى عمل الخير والقيام بالطاعات ، وقيل إن العقبة هي الجسر الذي ينصب فوق جهنم ، أي الصراط. فكأنه سبحانه قال : لم يحمل نفسه على المشقة بعتق الرقبة والإطعام وغيرهما (وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ؟) أي ما هو ذلك الاقتحام للعقبة الذي ذكرناه؟ إنه (فَكُّ رَقَبَةٍ) تحريرها من أسر الرّق. وقيل أن يفك رقبته من الذنوب بالتوبة (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ) أي الإطعام في أيام الجوع. (يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ) أي أطعم يتيما من أقاربه ورحمه (أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ) أي فقيرا محتاجا قد لصق بالتراب من شدة الجوع والفقر.
١٧ ـ ٢٠ ـ (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) أي فينبغي للإنسان مع هذه الأعمال المذكورة أن يكون مؤمنا مصدّقا يعمل الخير ويقوم بالطاعات (وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) أي وصّى بعضهم بعضا بالصبر على أداء الفرائض وترك المعاصي ، وتواصوا كذلك بالتراحم وببذل الرحمة للفقراء منهم خاصة (أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) أي أنهم هم الذين تأخذ بهم الملائكة يوم القيامة إلى ناحية اليمين