سورة عبس
مكية ، عدد آياتها ٤٢ آية
١ ـ ١٠ ـ (عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى ...) لنزول هذه الفقرة من هذه السورة المباركة سبب هامّ. هو أنها نزلت في رجل من بني أميّة كان عند النبيّ (ص) فجاء ابن أم مكتوم فلمّا رآه تقذّر منه وجمع نفسه وعبس وأعرض بوجهه عنه فحكى الله سبحانه ذلك وأنكره عليه. (عَبَسَ) يعني قبض وجهه وبسر (وَتَوَلَّى) أعرض بوجهه (أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى) يعني لأن جاءه ذلك الأعمى (وَما يُدْرِيكَ) ومن عرّفك (لَعَلَّهُ) لعلّ هذا الأعمى (يَزَّكَّى) يتطهّر بالطاعة والعمل الصالح بفضل ما يتعلّمه منك (أَوْ يَذَّكَّرُ) يتذكّر ويعتبر بالقرآن وبمواعظك (فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى) فيستفيد من عبرته (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى) كان متمولا وكبيرا في عشيرته (فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى) تتعرض له فتقبل عليه بوجهك (وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى) أي : أيّ شيء يلزمك إن لم يسلم ولم يتطهّر من كفره؟ (وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى) أمّا الذي قصدك ساعيا في طلب الخير ، وهو ابن أم مكتوم (وَهُوَ يَخْشى) يخاف الله (فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) فأنت تتشاغل عنه بغيره.
١١ ـ ٢٣ ـ (كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ ... كَلَّا) أي امتنع عن ذلك وانزجر عنه (إِنَّها تَذْكِرَةٌ) أي أن آيات ربّك موعظة لك ولسائر الناس (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) أي من أراد لنفسه الخير ذكر الآيات والقرآن واتعظ (فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ) أي هذا القرآن أو التذكرة في كتب معظمة عند الله وهي اللوح المحفوظ القرآن العظيم (مَرْفُوعَةٍ) عالية عن كل دنس مرفوعة في السماء (مُطَهَّرَةٍ) مصونة عن أن تدنّسها أيدي الكفرة وقيل مطهّرة من الشك فيها أو التناقض (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ) أي بأيدي سفراء الوحي بين الله تعالى ورسله. (كِرامٍ) كرام عند ربّهم وهم أعزّاء عنده (بَرَرَةٍ) مطيعين سامعين له. (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ) أي عذّب الإنسان ولعن إذ ما أشد كفره ، قيل المعنيّ هو أميّة بن خلف ، وقيل أراد به كل كافر. وقيل : إن (ما) للاستفهام والكلام يعني : أي شيء أدّى به إلى الكفر. (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ)؟ أي فلينظر إلى خلقه وابتداء وجوده. والاستفهام للتقرير (مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) أي أوجد أصله من تلك النّطفة أطوارا نطفة ثم علقة ثم مضغة إلخ ثم قدّر عمره ورزقه وكل ما يتصل به. (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) يعني أنه سهّل له سبيل الخروج من بطن أمه ، وقيل يسر له طريق الهداية (ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ) أي قضى بإنهاء حياته ، وانتهى به الأمر إلى أن يقبره الناس في لحد. (ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ) أي إذا أرادا أحياه في قبر وبعثه يوم القيامة. (كَلَّا) أي حقا (لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ) أي أنه قصّر في عمله ولم يؤدّ حقّ الله تعالى بعبوديته له.
٢٤ ـ ٣٢ ـ (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ ...) أي : يجب أن ينظر الإنسان إلى ما يأكله من سائر أنواع مشتهياته ويفكّر كيف مكّنه الله تعالى من الانتفاع بها ليرى (أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا) أي أنزلناه من السماء إنزالا. (ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا) أي فتقناها بالنبات الذي يخرج منها بعد المطر (فَأَنْبَتْنا فِيها) في الأرض (حَبًّا) أي جميع الحبوب المفيدة للتغذية والحفظ (وَعِنَباً وَقَضْباً) ذكر العنب لجزيل فائدته ، وذكر القضب : أي القتّ الرّطب يقطع ، مرّة بعد أخرى ويعطى علفا للحيوانات (وَزَيْتُوناً) وهو ما يؤكل ويستخرج منه الزيت (وَنَخْلاً) جمع نخلة وهي التي تعطى الرّطب والتمر (وَحَدائِقَ غُلْباً) يعني وبساتين مسوّرة ذات أشجار وارفة (وَفاكِهَةً) جميع أنواع الفواكه (وَأَبًّا) وهو العشب الذي يكون في المراعي ترعاه الحيوانات ولا يزرعه الإنسان (مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ) أي جعل ذلك منفعة لكم وللأنعام التي تستفيدون منها.
٣٣ ـ ٤٢ ـ (فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ ...) عاد سبحانه وتعالى إلى ذكر يوم القيامة لينبّه الناس إلى ما ينتظرهم في الآخرة ، والصاخّة هي صيحة القيامة التي تصخّ الآذان : أي تطرقها حتى تكاد تصمّها. (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ) إلخ يهرب من هؤلاء جميعا. والصاحبة هي الزوجة. (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) أي أن لكل إنسان في ذلك اليوم حال تحول بينه وبين أقربائه وتشغله عنهم كما تشغلهم عنه ، ومعنى (يُغْنِيهِ) هنا : يكفيه (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ) أي تكون بعض الوجوه في ذلك اليوم مشرقة منيرة (ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ) مسرورة فرحة تتباشر بالثواب الذي أعدّه لها الله (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ)