أي عليها سواد وهمّ ظاهر (تَرْهَقُها قَتَرَةٌ) أي يغشاها سواد وانكساف عند مشاهدة النار (أُولئِكَ) أي أصحاب تلك الوجوه (هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) الذين كفروا بالدّين وكانت أفعالهم فاجرة.
سورة التكوير
مكية ، عدد آياتها ٢٩ آية
١ ـ ١٤ ـ (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ...) ما زال سبحانه يتحدث عن علامات وأحوال يوم القيامة الذي ذكر بعض حالاته في سورة (عبس) السابقة. والمعنى أنه إذا كوّرت الشمس فذهب ضوؤها وأظلمت وإذا تساقطت النجوم وانتثرت (وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ) أي نسفت عن وجه الأرض وأصبحت هباء كالسراب (وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ) العشار هي النوق الحوامل التي أتى عليها عشرة شهور ، فإذا هي قد تركت مهملة بلا راع (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) أي إذا جمعت يوم القيامة ليقتصّ بعضها من بعض (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) أي أرسل عذبها على مالحها وبالعكس وتفجّر بعضها على بعض فصارت بحرا واحدا ـ وقيل أوقدت فصارت نارا تضطرم (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ) أي إذا قرن كلّ شكل من الناس مع شكله من أهل الجنة أو من أهل النار. (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) أي وإذا سئلت البنت التي دفنها أهلها حية خوفا من عارها إذا كبرت : بأي ذنب قتلت؟ وهو سؤال توبيخ لقاتلها. (وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ) يعني إذا فتحت كتب أعمال الناس التي كتبتها الملائكة الحفظة عليهم ليقرأها أصحابها (وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ) أي أزيلت عن موضعها كما يكشف الجلد حين يسلخ عن الحيوان المذبوح. (وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ) أي إذا أوقدت وازداد ضرامها (وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ) يعني إذا قربت من أهلها (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ) أي علمت ما وجدته حاضرا من عملها الذي جنته.
١٥ ـ ٢٢ ـ (فَلا أُقْسِمُ ...) فلا أقسم : يعني : أقسم ، لأن (فَلا) زائدة ، فهو تعالى يقسم بمخلوقاته الدالة على عظمته (بِالْخُنَّسِ) أي النجوم التي تظهر في الليل وتخنس أي تختفي وتستتر في النهار (الْجَوارِ) هي صفة للنجوم لأنها تجري في أفلاكها الخاصة بها و (الْكُنَّسِ) صفة من صفاتها أيضا لأنها تطلع وتتوارى في بروجها كما تتوارى الظّباء في كناسها. (وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ) يعني إذا أدبر بظلامه وقيل إذا أقبل بظلامه أيضا والعسعسة من الأضداد (وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ) إذا أسفر وأضاء وامتدّ ضياؤه (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) هذا جواب القسم ، أي وحقّ ما ذكرناه إن القرآن قول رسول كريم على الله تعالى ، وهو جبرائيل (ع) ، قد حمل كلام الله سبحانه الذي أنزله على لسانه إلى نبيّه (ص). (ذِي قُوَّةٍ) على تبليغ ما حمّلناه من الرسالة ، وذي قدرة في نفسه (عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ) أي هو ذو مكانة عند صاحب العرش تبارك وتعالى (مُطاعٍ ثَمَ) أي أنه مطاع هناك في السماء ، تطيعه الملائكة فيها (أَمِينٍ) مؤتمن على الوحي والرسالات السماوية ... (وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ) أي ليس محمد (ص) الذي يدعوكم إلى الله قد غطّي على عقله فلا يدرك الأمور (وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ) أي أن محمدا (ص) رأى جبرائيل (ع) بحسب صورته التي خلقه الله تعالى عليها حيث تطلع الشمس ، وهو الأفق الأعلى من ناحية المشرق (وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) أي : ليس ببخيل فيما يؤدّي عن الله تعالى. وقرئ بظنين ـ بالظاء ـ أي : وليس هو بمتّهم على وحي الله تعالى (وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ) أي ليس هذا القول بقول شيطان ملعون ، رجمه الله باللعنة (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) أي فأي طريق تسلكونه ولم تميلون عن هذا القرآن الذي هو هدى وشفاء (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) أي ليس القرآن سوى موعظة للخلق (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) وإنه سيكون كذلك لمن أراد منكم الاستقامة على أمر الله وطاعته (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) أي وما تريدون الاستقامة على الحق إلّا إذا أرادها الله تعالى لكم لأنه خلقكم لها وكلفكم بها فمشيئته قبل مشيئتكم.