(إِذْ ناداهُ رَبُّهُ) فقال له : يا موسى (بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) أي حينما كان في طوى ـ وهو اسم الوادي ـ المطهّر بما ظهر فيه من آيات الله العظمى (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) أي رخ إليه فإنه تكبّر وعلا وتجاوز الحدّ في الكفر (فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى) أي اسأله قائلا : هل أن تتطهّر من الشّرك والكفر بشهادة لا إله إلّا الله. (وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ) أدلّك إلى معرفته جلّ وعلا فتسلك الطريق التي تؤدّي إلى ثوابه (فَتَخْشى) فتخافه وتقلع عمّا أنت فيه من الكفر؟ (فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى) أي أن موسى أرى فرعون آية العصا (فَكَذَّبَ) أنكر كونها آية من الله (وَعَصى) خالف موسى وكذّب بنبوّته (ثُمَّ أَدْبَرَ) أي ولّى الدبر ليفكّر بما يردّ به معجزة موسى. (يَسْعى) في الفساد كعادته. (فَحَشَرَ فَنادى) أي فجمع قومه وجنوده وصرخ فيهم : (فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) أي أنني لا ربّ لكم فوقي (فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى) أي أخذه وأهلكه بالغرق في الدنيا ونكّل به نكالا وأعدّ له نكالا في الآخرة. (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في فعل فرعون وتكذيبه ومعصيته وأخذنا له وتنكيلنا به (لَعِبْرَةً) أي عظة (لِمَنْ يَخْشى) لمن يخاف الله تعالى ويخاف عقابه.
٢٧ ـ ٣٣ ـ (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ ...) خاطب سبحانه من كان من المكابرين على عهد رسول الله (ص) محذّرا لهم وقال : هل أنتم أيّها المشركون أقوى خلقا من السماء التي (بَناها) بهذه العظمة وهذه السعة التي لا تحدّ؟ (رَفَعَ سَمْكَها) أي سقفها وما ارتفع منها (فَسَوَّاها) جعلها مستوية بلا فطور (وَأَغْطَشَ لَيْلَها) جعله مظلما (وَأَخْرَجَ ضُحاها) أي أظهر نهارها (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) أي بعد خلق السماء بسط الأرض ، والدحو هو البسط. (أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها) أي فجّر العيون والينابيع والأنهار ، وأنبت فيها ما يأكله الإنسان والحيوانات (وَالْجِبالَ أَرْساها) أي ثبّتها في الأرض فجعلها راسية فكانت الأرض هكذا (مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ) أي أوجد فيها ما تستمتعون به أنتم وأنعامكم مما تخرجه الأرض من خيراتها العميمة.
٣٤ ـ ٤١ ـ (فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى ...) أي إذا جاءت القيامة الهائلة المخيفة التي تطمّ على كل مصيبة وتفوقها. (يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى) أي يكون ذلك التذكّر لما قدّمه الإنسان من عمل حين مجيء تلك الطامة الكبرى إذا بدت الجنّة للمؤمنين (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ) أي أظهرت النار (لِمَنْ يَرى) من الخلق بحيث يراها جميع الخلائق رأي العين (فَأَمَّا مَنْ طَغى) أي فأمّا الذي تجاوز حدود الله (وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا) أي فضّلها على الآخرة (فَإِنَّ الْجَحِيمَ) أي النار (هِيَ الْمَأْوى) أي مقرّه الذي يؤول أمره إليه (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) أي خاف الوقوف بين يدي الحساب وخشي مساءلة ربّه عمّا فعله وتركه (وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى) أي زجر نفسه ومنعها عن ركوب المحارم التي تشتهيها (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) أي : فالجنّة مقرّه الذي يؤوي إليه.
٤٢ ـ ٤٦ ـ (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها ...) أي يسألك المنكرون للبعث يا محمد : متى يكون قيام القيامة المحدود الوقت والمكان؟ (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها) أي وما أنت على شيء من العلم بها وبذكر موعدها (إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها) والمعنى أن ربّك يعرف منتهى أمرها ومنتهى علمها الذي لا يعرفه غيره (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) أي فلست إلّا مخوّفا ومحذّرا لكلّ من يخاف قيامها. (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها) أي كأن الناس يوم يعاينون القيامة. (لَمْ يَلْبَثُوا) لم يبقوا في الدنيا (إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها) سوى قدر بسيط من نهاية النهار أو من أوله.