٣١ ـ ٤٠ ـ (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً ...) بعد أن ذكر سبحانه وعيده للكافرين ، أخذ بذكر وعده للمؤمنين فقال : إن للذين اجتنبوا ما يسخط الله تعالى منجى ، وهو النجاة من النار (حَدائِقَ وَأَعْناباً) أي حدائق الجنّة وثمارها التي كنّى عنها بالأعناب (وَكَواعِبَ أَتْراباً) أي جواري قد تكعّبت أثداؤهنّ ، فالكواعب مفردها : كاعب ، وهي التي برز ثديها في أول صباها ، وكنّى عنهنّ بالأتراب ليدلّ على أنهنّ يكنّ من سنّ أزواجهن ومثلهم في الحسن (وَكَأْساً دِهاقاً) أي كؤوسا مملوءة بالشراب تكون على قدر ريّهم (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً) أي لا يسمعون في الجنّة كلاما لا فائدة فيه ولا يكذّب بعضهم بعضا. (جَزاءً مِنْ رَبِّكَ) أي ثوابا لتصديقهم بالله تعالى وبرسوله (عَطاءً) لهم من ربّك. (حِساباً) أي محسوبا كافيا ، وقيل كثيرا. (رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) إلخ مرّ تفسير مثلها (الرَّحْمنِ) اللطيف الذي يرحم المؤمن والكافر (لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً) أي لا يقدرون أن يسألوه إلّا فيما رخّص به وأذن للمقرّبين منه (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا) أي يقفون مصطفّين في ذلك اليوم قائمين بأمر الله منتظرين ما يصدر عنه. أما (الرُّوحُ) فقيل هو خلق من خلقه سبحانه يشبه بني آدم وليسوا منهم ، يقومون يوم القيامة صفّا في مقابل صفّ الملائكة (لا يَتَكَلَّمُونَ) بشيء (إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ) أي رخّص له ، وهم الملائكة والمؤمنون (وَقالَ صَواباً) أي قال في الدنيا بالتوحيد ، وقيل إن القول هنا الشفاعة فهم لا يشفعون إلّا لمن ارتضى. (ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُ) أي يوم القيامة الذي لا ريب فيه (فَمَنْ شاءَ) أراد (اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً) أي جعل لنفسه مرجعا بعمله الصالح يكون مرضيا به عند الله. (إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ) خوّفناكم أيها الكافرون (عَذاباً قَرِيباً) أي عذاب ليوم القيامة لأن كل آت قريب. (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ) كل إنسان في صحيفة أعماله (ما قَدَّمَتْ يَداهُ) ما قدّم من الطاعة التي عبّر عنها باليدين لأن أكثر الأعمال تباشر بهما. (وَيَقُولُ الْكافِرُ) حينئذ : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) أي : آه لو بقيت ترابا ولم يرجع جسمي ولم تعد روحي لأتخلّص من الحساب في هذا اليوم.
سورة النازعات
مكية ، عدد آياتها ٤٦ آية
١ ـ ٥ ـ (وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً ، وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً ...) قيل إن النازعات هي الملائكة التي تنتزع أرواح الكفار بشدّة وقيل هي النجوم تنتقل من أفق إلى أفق وتطلع وتغيب ، وقيل غير ذلك وكذلك الناشطات قيل بأنها الملائكة تنشط في نزع نفوس الكافرين مما بين الجلد والأظفار لتخرجها منهم بكرب والنّشط هو الجذب (وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً) قيل هي الملائكة تقبض أرواح المؤمنين وتسبح بها في الفضاء ، كما قيل أنها الملائكة التي تنزل من السماء مسرعة ، وعن عطاء أنّها السفن (فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً) قيل إنها الملائكة لأنها سبقت بني آدم بالإيمان والطاعة ، أو أنها تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنّة وقيل هي أرواح المؤمنين تسبق إلى الملائكة حين يقبضونها ، أو هي الخيل في الحرب (فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) أي الملائكة تدبّر أمر العباد من سنة إلى سنة ، أو هم جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت الموكّلون بتدبير الدنيا.
٦ ـ ١٤ ـ (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ ، تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ ...) أي يوم النفخة الأولى التي ترجف منها الأرض فتموت جميع الخلائق ، ثم تتبعها النفخة الثانية فتبعث الخلائق من جديد. (قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ) أي مضطربة من الخوف أشد اضطراب (أَبْصارُها خاشِعَةٌ) وذليلة من أهوال ذلك اليوم (يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ) أي يقول الكافرون المنكرون للبعث ، هل أننا معادون أحياء بعد الموت ، ونردّ إلى حالنا السابقة. والحافرة معناها : أول الشيء وابتداء الأمر (أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً) أي وبعد أن نصير عظاما بالية مفتّتة؟ (قالُوا : تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ) أي قال الكافرون : هذه الرجعة بعد الموت رجعة خسران حيث نقلنا من نعيم الحياة الدنيا إلى عذاب النّار (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ) أي : ليست النفخة الأخيرة إلّا صيحة من إسرافيل يسمعونها وهم في قبولهم فيعودون أحياء (فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) أي : وفجأة يكونون على وجه الأرض وقد سمّيت الساهرة لأنها تعمل في تغذية النبات ليلا كما تعمل في النهار. وقيل إن الساهرة هي عرصة يوم القيامة حيث يقف الناس في سهر دائم لا نوم معه.
١٥ ـ ٢٦ ـ (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى ...) أي : يا محمد قد أتاك حديث موسى وعرفت قصّته.