٨ ـ (أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) والمعنى : هل كذب على الله كذبا واخترع من عند نفسه متعمّدا حيث يزعم أنّا نبعث بعد الموت؟ (أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) أي جنون يخيّل له ذلك فيهذي به (بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) أي ليس الأمر كما يقولون بل هؤلاء المنكرون للبعث والجزاء (فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ) أي هم في نار جهنم في الآخرة وفي ذهاب بعيد عن الحق في الدنيا.
٩ ـ (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ...) أي إلى ما أحاط بجوانبهم (مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) كيف أحاطت بهم ، أفلم ينظر هؤلاء الكفرة إليهما فيعرفون أنّا قادرون على إهلاكهم كما أهلكنا القرون الأولى. (إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ) كما خسفنا بقارون وأمواله (أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ) أي قطعا منها فتغطّيهم فيهلكوا (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي فيما ترون من السّماء والأرض وإحاطتهما بهم ومن قدرة الخالق تعالى (لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) أي راجع إلى ربّه ويتدبّر في قدرته.
١٠ و ١١ ـ (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً ...) أي أعطيناه من عندنا مضافا إلى النبوّة كتابا وهو الزّبور ، أو المراد بالفضل الصّوت الحسن ، (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ) أي سبّحي معه إذا سبّح. وقيل : سيري معه من التأويب وهو السير في النهار ، فكانت الجبال على ما قيل والطير تسير معه أينما سار. (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) فصار في يده كالشمع يطاوعه كما يشاء من دون نار ولا طرق. (أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ) والمعنى أننا أمرناه بأن يعمل دروعا واسعة الأذيال وقلنا له (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) أي عدّل وسوّ بين الحلقات في نسجها بحيث تتناسب حلقاتها في الصّغر والكبر وفي اللّين والغلظ. (وَاعْمَلُوا صالِحاً) إلخ أي قلنا واعمل أنت وأهلك الصّالحات فأنا عالم بما تفعلونه.
١٢ ـ (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ ...) أي سخّرنا له الرّيح ، (غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ) أي جريها بالغداة مسيرة شهر وبالعشيّ كذلك. (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) أي أجرينا ذلك له بعد ما أذبنا له معدن النّحاس. (وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ) أي سخّرناهم له منهم من يشتغل له بحضرته وبأمره بحكم الله وقضائه. (وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا) أي يعدل ويخرج عمّا أمرناه به من طاعة سليمان (نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ) أي نعذّبه بالنار المشتعلة في الآخرة أو في الدنيا بسياط من نار كما قال بعض المفسرين.
١٣ و ١٤ ـ (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ ...) أي أبنية رفيعة وقصور منيعة ، أو المراد بها المساجد ومحاريبها (وَتَماثِيلَ) قيل هي صور الملائكة والأنبياء ليقتدي بهم. (وَجِفانٍ) جمع جفنة أي صحاف للطعام (كَالْجَوابِ) أي الأحواض الكبيرة (وَقُدُورٍ راسِياتٍ) أي ثابتات لا تنزل عن أماكنها لعظمها (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) أي من يجتهد في أداء الشكر بجنانه ولسانه وأركانه. (فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ) أي حكمنا بموته وما دلّ الجنّ والشياطين على موته (إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) الأرضة ، فإنّها أكلت عصاه فسقط (ع) فعلموا أنّه ميّت. ولكنّهم علموا بعد سنة (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُ) أي سقط سليمان ميّتا وظهر للجن (أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ) أنهم لا يعلمون الغيب كما كان يزعم الناس إذ لو علموه ما بقوا إلى ما بعد سنة من موت سليمان في العمل الشاق. وقيل معناه : ظهر الجن وتبين للناس إلخ.