١٥ ـ (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ ...) أي لولده ، فالمراد به ها هنا القبيلة الذين هم من أولاد سبأ وهو أبو عرب اليمن. (فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ) باليمن ، علامة دالّة على كمال قدرة الله وسبوغ نعمه. (جَنَّتانِ) إلخ أي حديقتان ذاتي أشجار كثيرة عن يمين البلد وشماله متّصلة بعضها ببعض (كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ) أي أنبياؤهم يقولون لهم : كلوا من هذه النّعم وافعلوا شكرها يزدكم من نعمه (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ) إلخ أي هذه بلدة منزهة مخصبة عذبة مياهها وإله كثير المغفرة للذنوب.
١٦ ـ (فَأَعْرَضُوا ...) أي فلمّا أعرضوا عن الشكر وكفروا بأنعم الله (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ) العرم : جمع عرمة وهو ها هنا الجرذ الصّحراوي ، أي الفأرة الكبيرة التي أمرها الله تعالى بنقب السدّ الذي صنعوه لمنع السّيول فلما نقبته الجرذان جاءهم السيل الذي خرب البيوت وقلع الأشجار والأبنية وأهلك جميع ما مرّ عليه ووقع فيه (وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ) أي عوض جنّتيهم اللتين فيهما أنواع الفواكه العذبة الحلوة (جَنَّتَيْنِ) أخراوين (ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ) أي صاحبتي ثمر في غاية المرارة ، والبشاعة قيل هو الأراك (وَأَثْلٍ) وهو شجر يقال له الطرفاء لا ثمر له ، (وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ) أي قليل من ثمر النبق.
١٧ ـ (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا ...) أي ذلك التبديل بسبب أنهم كفروا برسلنا (وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) أي أن أخذ النعم والجزاء بالحرمان منها منحصر بمن يكفر منهم بنعمنا ، ومن يشكرها نزد له فيها.
١٨ ـ (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى ...) أي بين الباقين من أهل سبأ وبين القرى في الشام وفلسطين وغيرهما (الَّتِي بارَكْنا فِيها) بكثرة المياه وأشجار الفواكه المختلفة والزّروع (قُرىً ظاهِرَةً) أي متقاربة متصلة كلّ واحدة مع الأخرى (وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ) أي وجعلنا السّير من قرية إلى أخرى مقدارا واحدا وهو نصف يوم وقلنا لهم (سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ) أي ليلا شئتم المسير أو نهارا بلا خوف عليكم بل مأمونون من جميع الجهات.
١٩ ـ (فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا ...) أي أشروا وبطروا النعمة وملّوا العافية فسأل الأغنياء الله أن يجعل بينهم وبين الشام مفاوز وأودية لنركب إليها الرواحل (وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بالكفر والبطر (فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ) لمن بعدهم يضربون بهم المثل فيقولون : تفرقوا أيدي سبأ. (وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) أي شتّتناهم كلّ تفريق وتشتيت فأصبحوا قبائل في مناطق متباعدة (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي هذا المذكور من قصّة سبأ (لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) أي فيها عبر لمن يصبر على الشدائد أو عن المعاصي ويشكر كثيرا على النّعم.
٢٠ ـ (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ ...) الضّمير في عليهم إمّا أنه يعود لبني آدم أو إلى أهل سبأ بمناسبة المقام ، يعني أن إبليس كان قال ظانا لا على اليقين : لأغوينّهم ولأضلنّهم فلما تابعه أهل الزيغ والشرك صدّق ظنّه وحقّقه (فَاتَّبَعُوهُ) أي فيما دعاهم إليه (إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) من : هنا للتّبيين يعني المؤمنين كلّهم ، وعن ابن عباس : أي علموا قبح متابعته فلم يتّبعوه واتّبعوا أمر الله سبحانه. ويحتمل أن تكون من تبعيضية.
٢١ ـ (وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ ...) أي أن تسلّط إبليس على من حقّق ظنّه في حقّهم ما كان عن قوّة فيه تجبرهم على مطاوعته في وسوسته ، ولكنه كان باختيارهم ، ولم يقع منهم (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍ) أي إلّا ليتميّز المؤمن من الشاكّ فنجازي كلّا منهما جزاءه ، وربّك (حَفِيظٌ) أي رقيب على كلّ شيء.
٢٢ ـ (قُلِ ...) أي يا محمد قل لمشركي مكّة (ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ) أنّهم آلهة (مِنْ دُونِ اللهِ) أي اطلبوا منهم ما يهمّكم من جلب نفع أو دفع ضرّ ، فإنهم (لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) أي لا يملكون زنة ذرة فيهما من خير أو شرّ. (وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ) أي ليس لهم شركة في خلقهما مع الله (وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ) وليس له تعالى من آلهة المشركين من معين ولا ناصر على شيء من أمر السماوات والأرض حدوثا وبقاء.