٥١ ـ (وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً ...) أي الدّبور الذي هو للعذاب وهي ريح باردة مؤذنة بالهلاك (فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا) أي يرون النبات والزرع اللّذين كانا من آثار رحمة الله أنه عرض لهما الاصفرار بعد الخضرة وهو علامة يبسهما وفسادهما. (لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ) أي لصاروا من بعد أن رأوه مصفرّا كافرين جاحدين لأنعم الله.
٥٢ ـ (فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى ...) أي لا تستطيع يا محمد إسماع موتى القلوب يعني الكفرة الذين سدت مشاعرهم عن استماع المواعظ والنصائح فإنهم في حكم الموتى (وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ) أي ولا تقدر على إسماع من بهم صمم فإنّ حالهم كحالهم في عدم الانتفاع بالسماع (إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) أي إذا أعرضوا عن حججنا ذاهبين إلى الضلال.
٥٣ ـ (وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ ...) يعني يا محمد إنّك لا تهدي ولا تستطيع إرشاد عميان القلوب إذا لم يطلبوا الاستبصار حيث إنهم أشدّ استحالة للهداية من عمي العيون ، (إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا) أي الذي يستمع القول ويتلقاه ويتدبّر معناه (فَهُمْ مُسْلِمُونَ) مسلّمون بما تأمرهم به وتنهاهم عنه حيث إنّهم يتّبعون سبيل الهداية والرّشاد.
٥٤ ـ (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ...) أي كنتم في بدء الإيجاد ضعفاء في حالة الطّفولية وقيل : أي من نطف. (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً) حينما يصير الإنسان شابا ذا قوة وقدرة أو حين ولوج الروح بالبدن (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً) فبعد ما يخلص تطوّر خلقه ويتمّ قوس الصّعود يجيء قوس النزول وهو الضعف والشّيب بعد القوة والشباب (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) من الضّعف والقوة والشّيب (وَهُوَ الْعَلِيمُ) أي العالم بأحوال عباده ومصالحهم (الْقَدِيرُ) القادر على فعله بحسب ما يراه من المصلحة.
٥٥ ـ (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ ...) أي القيامة ، (يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا) أي الكافرون يحلفون أنهم ما بقوا في القبور أو في الدّنيا أو فيما بين فنائها والبعث (غَيْرَ ساعَةٍ) فيستقلون مدّة لبثهم بالنسبة إلى مدة عذاب الآخرة ، (كَذلِكَ) أي مثل صرفهم وحلفهم وقولهم كذبا في الآخرة (كانُوا يُؤْفَكُونَ) يصرفون عن الصّدق ويعدلون عن قول الحق في الدنيا.
٥٦ و ٥٧ ـ (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ ...) إنّ الله تعالى أخبر عن قول أهل العلم والإيمان ممن هداهم الله بالحجج والبراهين. قيل بأنهم الملائكة ، وقيل هم الأنبياء ، وقيل هم المؤمنون بعد استماعهم الحلف الكاذب من المشركين (لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ) إلخ. أي ان مكثكم ثابت في اللوح المحفوظ أو في القرآن ، إلى يوم القيامة والحشر. (فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ) إلخ. أي اليوم الذي كنتم تنكرونه في الدنيا فلا ينفعكم علمكم به الآن. (فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا) أنفسهم بالكفر والشرك بعد إتمام الحجّة عليهم (مَعْذِرَتُهُمْ) اعتذارهم (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) ولا يطلب منهم الإعتاب ولا الرجوع إلى الحق.
٥٨ ـ (وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ ...) أي بيّنا لهم بحيث أغنيناهم في البيان (فِي هذَا الْقُرْآنِ) المنزل على نبيّنا (مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) يدعوهم وينبّههم على التوحيد والإيمان (لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) من فرط عنادهم (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ) أي أصحاب الأباطيل والتّزوير.
٥٩ ـ (كَذلِكَ ...) أي كما طبع على قلوب هؤلاء الكفرة (يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) أي الذين لا يعلمون شيئا من الحق ويعتقدون أن ما هم عليه من الضلالة والأباطيل هو الحق.
٦٠ ـ (فَاصْبِرْ ...) أي اصبر على أذاهم يا محمد (إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) حين وعدك بالنصر وبإعلاء دينك فإن ذلك ثابت منجّز لا محالة (وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ) أي لا يحملنّك على الخفّة والضجر ولا تغضب من هؤلاء الذين هم أهل شكّ وضلالة.