٤٢ ـ (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا ...) إن الله تعالى كرّر الأمر بسير الآفاقيّة تأكيدا وتذكيرا للاعتبار ، فإن في ذلك أخبار الأمم السالفة والإنسان يستبصر إذا شاهد كيف أهلكهم الله فصارت قصورهم قبورا ومحافلهم مقابرهم ثم بيّن سبحانه أنّه فعل بهم ما فعل لسوء صنيعهم فقال : (كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ) فالغالب في عذاب الاستئصال أن يكون بسبب الشرك.
٤٣ ـ (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ ...) أي فانصب قلبك وتوجّه به إلى دينك الذي هو في غاية الاستقامة والعدل (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ) أي قبل مجيء يوم من عند الله الذي لا يقدر أحد أن يردّه وهو يوم القيامة (يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ) يعني يتفرّقون إلى الجنّة والنار.
٤٤ و ٤٥ ـ (مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ...) أي عقوبة كفره فلا يتحملها أحد عنه وهي النار (وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) أي يوطئون لأنفسهم منازل في الجنة (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ) أي ليعطيهم على قدر استحقاقهم ويزيدهم من فضله. (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) أي لا يريد كرامتهم وإنما عقابهم جزاء على كفرهم. هذا الذيل علّة لما يترتب على الكفر من الوبال والنار المؤبّد ، وعلى العمل الصالح من تمهيد المنازل في الجنّة العالية والمخلّد فيها. وفي الكشاف أن هذا تقرير بعد التقرير على الطّرد والعكس.
٤٦ ـ (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ ...) أي ومن أفعاله الدالة على معرفته وكمال قدرته هو إرسال رياح الرحمة تبشر بنزول المطر (وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ) أي ولتسير المراكب في المياه بأمر الله وإرادته (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) في التجارات البحريّة تبتغون الخير من فضله (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) هذه النعم فتوحّدون ربّكم.
٤٧ ـ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً ...) لم يكن لهم شغل غير ما تعمله أنت (فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أتوا قومهم بدلائل على نبوّتهم (فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) أي كفروا بآياتنا وجحدوها (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) أي وكان واجبا علينا نصرهم بدفع السوء عنهم وبإعلاء حجتهم.
٤٨ و ٤٩ ـ (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً ...) أي من شواهد القدرة أنه يهيّئ ويرسل الرياح من معادنها فتهيّج السحاب في الفضاء (فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ) سائرا وواقفا مطبقا وغير مطبق من جانب دون جانب (وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً) أي قطعا متفرّقة (فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) أي المطر يخرج من بينه (فَإِذا أَصابَ) الآية ، أي إذا نزل الودق على طائفة من عباد الله يفرحون بذلك ويبشّر بعضهم بعضا بنزوله (وَإِنْ كانُوا) إلخ. يعني أنّهم قبل نزول المطر كانوا قانطين آيسين من نزوله عليهم.
٥٠ ـ (فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ ...) إلخ. أي أثر الغيث من النبات والأشجار وأنواع الثمار ، كيف يحيي الأرض بما ذكر (بَعْدَ مَوْتِها) أي بعد أن كانت مواتا يابسة (إِنَّ ذلِكَ) أي ان الله تعالى الذي يحيي الأرض بعد موتها (لَمُحْيِ الْمَوْتى) إلخ. هو قادر على إحياء البشر بعد إفنائهم بالموت وهو الذي لا يعجزه شيء.