١٤ ـ (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ ...) أي غاية قوّته ونشوئه ونموّه ، وهو بلوغه إلى الثلاثين ، وعن ابن عباس إلى الأربعين سنة. (وَاسْتَوى) تمّ في استحكامه وبلغ الأربعين. وقيل : الاستواء : الاعتدال والاستقرار ، فالاستواء في الحياة استقرار الإنسان في أمر حياته ويختلف في الأفراد وهو على الأغلب عند بلوغ الأشدّ. وقد ورد في بعض الأخبار أن استوى : التحى. (آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) أي النبوّة وعلما بالدّين (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) أي كما فعلنا مع موسى وأمّه من اللّطف والكرم والإحسان هكذا نجزي المحسنين من كلّ من يعمل عملا حسنا مرضيّا عندنا.
١٥ ـ (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ ...) أي المصر المعروف بمدينة فرعون (عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها) بين المغرب والعشاء ، أو يوم عيد لهم وهم مشغولون وقيل : حين يدخل الناس بيوتهم فتتعطل الأسواق وتخلو الشوارع والأزقة من المارة كالظهيرة وأواسط الليل. (هذا مِنْ شِيعَتِهِ) أي إسرائيلي (وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ) من مخالفه ، أي القبطي. (فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ) ضربه بجمع كفّه أو دفعه بشدّة بحيث كان فيه إزهاق روحه ، (قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) أي الاقتتال الذي وقع بين الرجلين كان من عمل الشيطان ووسوسته لا ما فعله موسى من قتل القبطي.
١٦ ـ (قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ...) بهذا القتل إذ لو ظفروا بي لقتلوني (فَاغْفِرْ لِي) يعني استرني من أعدائك (فَغَفَرَ لَهُ) الآية. وهذا الاعتراف بالظلم وسؤال المغفرة نظير ما وقع من آدم (ع) وزوجه المحكي في سورة الأعراف : قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا ... الآية.
١٧ ـ (قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ ...) من القوّة. ويحتمل أن الباء في قوله (بِما) للسببية كما قيل إن الباء للقسم والجواب محذوف ، والمعنى : أقسم بما أنعمت علي لأمتعنّ فلن أكون (ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ) أي معينا لهم.
١٨ ـ (فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ ...) خائفا من أولياء الدّم من فرعون والقبطيّين ويترصّد الأخبار وما يقال فيه (يَسْتَصْرِخُهُ) أي يستغيث به على الآخر (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) ضال عن طريق الرشد ظاهر الغواية لكثرة مخاصمتك.
١٩ ـ (فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ ...) إلخ. أي أن يأخذ القبطيّ ويدفعه عن الإسرائيلي بقوّة وشدّة ، (قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ) أي قال القبطي لموسى ذلك (إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ) إلخ. أي ما تريد إلا أن تكون طاغيا في الأرض بالظلم والقتل ولا ترغب أن تكون من المصلحين بين الناس.
٢٠ ـ (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ ...) إلخ. المراد من الرجل هو مؤمن آل فرعون ، واسمه حبيب النجار ابن عمّ فرعون ، وقد جاء من آخر المدنية مسرعا وأنذره قائلا : (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ) إلخ. أي أن الأشراف من آل فرعون يتشاورون فيك ليقتلوك فاخرج من أرض مصر إلخ.
٢١ ـ (فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً ...) إلخ. أي من مصر خائفا على نفسه ينتظر لحوق طالب ويلتفت يمنة ويسرة ، وكان يدعو ربّه للنجاة من شر فرعون وقومه.