٥٩ ـ (وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ
الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا ...) أي أطفالكم أيّها الأحرار يجب أن يستأذنوا ثلاث مرات في
الأوقات الثلاثة المذكورة (كَمَا اسْتَأْذَنَ
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي الذين بلغوا قبلهم من الأحرار (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ) أي يوضّح الدلالات على الأحكام (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) مر معناه.
٦٠ ـ (وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ ...) أي المسنّات والقواعد : جمع قاعدة ، وهي المرأة التي قعدت
عن النكاح فلا ترجوه كما سوف يذكر. (اللَّاتِي لا
يَرْجُونَ نِكاحاً) وصف توضيحي ، أي اللاتي لا يرغبن في الأزواج ولا طمع لهن
في الشؤون الجنسية ، لكبرهنّ. وقيل : هن اللواتي يئسن من المحيض فالوصف احترازي. (فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ) أي ذنب (أَنْ يَضَعْنَ
ثِيابَهُنَ) ولعلّ المراد بعض ثيابهن كالخمار أو الجلباب (غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ) أي غير قاصدات بوضع ثيابهن إظهار زينتهنّ ومحاسنهنّ. والتبرّج
: ـ كما في المجمع ـ إظهار المرأة من محاسنها ما يجب عليها ستره ، وأصله الظهور ،
ومنه البرج : البناء العالي لظهوره. (وَأَنْ
يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَ) أي لا يضعن الثياب مطلقا (وَاللهُ سَمِيعٌ
عَلِيمٌ) مر معناه.
٦١ ـ (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ ...) إلخ كان أهل المدينة قبل إسلامهم معتزلين الأعمى والأعرج
والمريض ولا يأكلون معهم في مجامعهم ومجتمعاتهم ، وهؤلاء الأصناف هم أيضا كانوا لا
يأكلون معهم ويقولون : لعلّهم يتأذّون إذا أكلنا معهم. فلمّا قدم النبيّ (ص) سألوه
عن ذلك فأنزل الله عزوجل : ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ) أي جناح (أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ
بُيُوتِكُمْ) إلخ أي بيوت عيالكم وأزواجكم وأولادكم وقد تضمنت هذه الآية
الإذن بالأكل من بيوت المذكورين ولكن لا بد من تقييده بمقدار الحاجة من غير إسراف
أو إفساد. (أَوْ ما مَلَكْتُمْ
مَفاتِحَهُ) جمع مفتح وهو ما يفتح به ، أي وكّلتم بحفظه أو بيوت
مماليككم. (أَوْ صَدِيقِكُمْ) إذا علم أن نفسه تطيب بذلك. (لَيْسَ عَلَيْكُمْ
جُناحٌ) إلخ عن الصّادق (ع) قال : بإذن وبغير إذن مجتمعين
ومتفرقين. والأشتات : جمع شت وهو مصدر بمعنى التفرق ، استعمل بمعنى المتفرق مبالغة
ثم جمع ، أو صفة : بمعنى المتفرق. والآية عامة وإن كان نزولها لسبب خاص كما روي. (فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا
عَلى أَنْفُسِكُمْ) أي على أهلها الذين هم منكم (تَحِيَّةً مِنْ
عِنْدِ اللهِ) مشروعة من لدنه (مُبارَكَةً) لأنها يرجى بها من الله تعالى زيادة الخير (طَيِّبَةً) أي طيب الرزق وطيب النفس بالتواصل والثواب. وقد فرّع هذا
وهو ما يتعلق بأدب الدخول للبيوت بعد ما ذكر البيوت نفسها وحكم دخولها. (كَذلِكَ) أي كما أنّ الله تعالى بيّن السّلام (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) يظهر لكم وينزل آيات أحكامه (لَعَلَّكُمْ
تَعْقِلُونَ) معالم دينكم ومصالحها فتعلموا بها. وقد تضمنت هذه الآيات
المباركة ما يؤكد نظرة الإسلام الاجتماعية وحرصه على ضرورة بث روح الألفة والتسامح
بين أفراد المجتمع العابد سواء كانت بينهم قرابة رحيمة أو لا ، وفي ذلك ما فيه من شد
الروابط وتقوية اللحمة وتقريب القلوب وتأليفها ، بحيث يصبح المجتمع كعائلة كبيرة
واحدة تتصرف بعفوية ومن دون تصنّع ونفاق.