٢٦ ـ (فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً ...) أي : كلي من الرّطب ، واشربي من ماء السّري ، وكوني مهنّأة مرتاحة البال بهذا المولود المبارك ، ولتكن دمعة السرور باردة في عينيك (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً) أي : إذا ما رأيت آدميّا ـ كائنا من كان ـ إن استنطقك وسألك عن ولدك هذا (فَقُولِي) له : (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً) أي صمتا والمعنى أوجبت على نفسي لله أن لا أتكلّم مع أي إنسان.
٢٧ و ٢٨ ـ (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ ...) يعني أنها بعد أن ولدته لفته في خرقة وحملته وعادت إلى قومها (قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا) أتيت بمنكر عظيم لأنك جئت بولد من غير زوج يكون أبا له ... (يا أُخْتَ هارُونَ) أي يا من تنسب إلى هذا النسب الشريف ، وقد نقل أن هارون كان أخاها من أبيها ، وأنه كان قد اشتهر بالزّهد والصلاح وحسن السيرة وكثرة العبادة في عصره. (ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ) أي ما كان يفعل السيّئات والمنكرات (وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) زانية تبغي الرجال.
٢٩ ـ (فَأَشارَتْ إِلَيْهِ ...) فأومأت إلى عيسى (ع) بأن كلّموه واسألوه عن أمري (قالُوا : كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا) أي كيف نخاطب طفلا رضيعا في الحجر.
٣٠ ـ (قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) : قدّم إقراره بالعبودية أولا ليبطل قول من يدّعي له الرّبوبية. والمعنى : إني عبد الله سيؤتيني الكتاب وسيجعلني نبيا. وقيل المراد بالكتاب الإنجيل. وقيل التوراة وأنه سبحانه علّمه إياها.
٣١ ـ (وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ ...) أي خلقني الله تعالى نفّاعا للناس معلّما للخير في أيّ مكان أكون (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ) أمرني بها (وَالزَّكاةِ) أؤدّيها. (ما دُمْتُ حَيًّا) أي ما بقيت على وجه الأرض.
٣٢ ـ (وَبَرًّا بِوالِدَتِي ، وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا) : أي جعلني بارّا بها حسن المعاملة لها ولم يجعلني متجبرا متكبرا ولا من الأشقياء.
٣٣ ـ (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ ...) إلخ وقد مرّ تفسيرها. في الآية (١٥) من هذه السورة.
٣٤ ـ (ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ) : أي ذاك الذي قال إني عبد الله هو عيسى (ع) نقول فيه قول الحق الذي يشكك فيه اليهود والنصارى ويتخاصمون.
٣٥ و ٣٦ ـ (ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ ...) أي ما يصلح لله ولا يستقيم أن يتخذ ولدا فهو منزّه عن ذلك وهو رد على النصارى واليهود معا. (إِذا قَضى) الله (أَمْراً) وحتمه (فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) أي أنه حين يريد أمرا هو قادر على إحداثه وإيجاده على الوجه الذي أراده بمجرد الأمر بكونه. (وَإِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) هذا من قول عيسى (ع) وقد مرّ تفسير مثلها.
٣٧ ـ (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ ...) أي اختلف اليهود والنصارى في عيسى فمنهم من قال هو الله ومنهم من قال هو ابن الله وقال بعضهم هو ثالث ثلاثة والمؤمنون قالوا هو عبد الله (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) هي كلمة وعيد معناها شدة العذاب للذين كفروا بالله في قولهم بالمسيح (مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ) أي من حضورهم يوم القيامة الذي يكون عظيما عليهم بأهواله.
٣٨ ـ (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا ...) هاتان الكلمتان للتعجب والمعنى : ما أسمعهم وما أبصرهم يوم القيامة وإن كانوا في الدنيا صمّا وبكما عن الحق. (لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي أن الظالمين لأنفسهم ولغيرهم ، يوم القيامة سوف يرون أنهم في ضلال واضح عن الحق.