٣٩ ـ (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ ...) يعني : حذّرهم يا محمد من يوم يتحسّر فيه المسيء على إساءته ، والمحسن على قلّة إحسانه إذ فرغ من الأمر وأدخل قوم الجنة وقوم النار ووجد كل إنسان جزاء عمله. (وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) أي أنهم كانوا في دار الدنيا غافلين عن هذا ولا يصدّقون به.
٤٠ ـ (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها ...) أي نفني سكانها فنرثها ومن عليها من العقلاء إذ بعد افنائنا لهم لا يبقى فيها مالك غيرنا (وَإِلَيْنا) إلى الله (يُرْجَعُونَ) يردّون يوم القيامة عند النفخة الثانية في الصور.
٤١ ـ (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا) : أي بعد ذكر زكريّا ويحيى وعيسى عليهمالسلام اذكر يا محمد لهؤلاء القوم حال إبراهيم (ع) الذي كان صادقا مبالغا في الصدق فيما يخبر عن الله وكان عليا رفيع الشأن برسالة الله سبحانه.
٤٢ ـ (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ ...) أي اذكر حين قال لأبيه : كيف تعبد شيئا لا يسمعك إذا دعوت ، ولا يراك إذا وقفت بين يديه (وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً) أي لا يكفيك لا في دفع ضرّ ولا في جلب نفع.
٤٣ ـ (يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ ...) أي قد آتاني الله من المعرفة به ما لم يجئك (فَاتَّبِعْنِي) كن على طريقتي (أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا) أرشدك إلى طريق قويم لا عوج فيه.
٤٤ ـ (يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ ...) كرّر مخاطبته بلطف عجيب أي انته عن عبادة الشيطان بإطاعته في وسوسته (إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا) كثير العصيان.
٤٥ ـ (يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ ...) أي إني أخشى عليك من أن يصيبك عذاب مؤلم (مِنَ الرَّحْمنِ) الربّ الرؤوف بالناس (فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا) مواليا للشيطان موكولا إليه ولن يغني عنك من العذاب من شيء.
٤٦ ـ (قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ ...) أي قال آزر لإبراهيم بعد دعوته له إلى الإيمان ، أمعرض أنت عن عبادة آلهتي وهي الأصنام. (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ) لم تدع هذا الأمر (لَأَرْجُمَنَّكَ) لأقتلنّك رجما بالحجارة حتى تموت (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) أي فارقني زمنا طويلا.
٤٧ ـ (قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ...) أي لن يصيبك منّي مكروه ثم استعطفه ووعده بالدّعاء له بالمغفرة ، لعلّ الله سبحانه يوفّقه للإيمان وللتوبة والرجوع عن الكفر وقال له (إِنَّهُ) أي الله (كانَ بِي حَفِيًّا) أي مبالغا في البرّ بي والعطف والرحمة.
٤٨ ـ (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ...) وإنّي منصرف ومبتعد عنكم وعمّا أنتم فيه من عبادة غير الله من الأصنام ، (وَأَدْعُوا رَبِّي) فأعبده وأطلب منه وحده حاجاتي (عَسى) أي آمل (أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا) سوف لا أكون خائبا بدعائه كما خبتم بدعائكم الأصنام.
٤٩ ـ (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ...) أي حين تنحّى عنهم وعن أصنامهم ، وفارقهم من أرض بابل إلى بلاد الشام وتزوّج فيها بسارة (وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) رزقناه الولدين هذين (وَكُلًّا) منهما (جَعَلْنا نَبِيًّا) رسولا من الله لقومه في زمانه.
٥٠ ـ (وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا ...) أي أعطيناهم ثلاثتهم سوى الأولاد البررة ، نعم الدّين والدّنيا (وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا) أي جعلنا لهم ثناء جميلا حسنا ، وروي أن المقصود بقوله تعالى : (مِنْ رَحْمَتِنا) هو محمد (ص) الذي هو من نسل إسماعيل. والمقصود بقوله تعالى : (عَلِيًّا) أمير المؤمنين (ع).
٥١ ـ (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً ...) بعد الكلام عن عطاياه الجليلة لإبراهيم وبنيه (عليهمالسلام) شرع بقصة موسى بإيجاز أي : يا محمد بيّن لقومك خبر موسى (ع) الذي أخلصه الله سبحانه من كل سوء واختص جميع أحواله بنفسه تعالى. وقيل : مخلصا : موحدا أخلص عبادته من الشرك. (وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا) أرسله الله عزوجل إلى فرعون وقومه وكان رفيع الشأن.